حيث كان يبثُّ شكواه من خلال هذه الخطب والمناشدات ، فيقول إمامنا علي عليهالسلام أيام خلافته متظلِّماً ، يبثُّ آلامه متألِّما منها ، حتى قال :
أما والله لقد تقمَّصها فلان وهو يعلم أن محلّي منها محلُّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليَّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذَّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربَّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهباً ... إلخ الخطبة (١).
وكم وقف متظلِّماً من القوم ، يبثُّ شكواه قائلا : اللهم إني أستعينك على قريش ومن أعانهم ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغَّروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ، ثمَّ قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه ، وفي الحق أن تتركه (٢).
يا الله!! ما أعظم هذه الكلمات! إنها تخرق الحجر ، وليس الدم واللحم ، فيتابع قوله : فنظرت فإذا ليس لي معين إلاَّ أهل بيتي ، فضننت بهم عن الموت ، أغضيت على القذى ، وشربت على الشجا ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرَّ من طعم العلقم (٣).
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي عليهالسلام : ١ / ٣٠ ـ ٣١ ، خطبة رقم : ٣.
٢ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي عليهالسلام : ٢ / ٨٥ ، خطبة رقم : ١٧٢ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٤ / ١٠٣ ـ ١٠٤ و ٦ / ٩٦ و ٩ / ٣٠٥ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١ / ١٧٦.
٣ ـ نهج البلاغة ، خطب الإمام علي عليهالسلام : ١ / ٦٧ ، خطبة رقم : ٢٦ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٠ ، الإمامة والسياسة ، ابن قتيبة : ١ / ١٧٦.