قولها : إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً عبيطاً ، ولا يكون هذا إلاَّ في قتل نبيٍّ أو وصيّ نبيٍّ ، ثمَّ قال : لي إليكم حاجة ، قالوا : وما هي؟ قال : قولوا لرئيسكم : عندي عشرة آلاف درهم ، ورثتها عن آبائي ، يأخذها مني ويعطيني الرأس يكون عندي إلى وقت الرحيل ، فإذا رحل رددته إليه ، فوافق عمر بن سعد ، فأخذ الرأس وأعطاهم الدراهم ، وأخذ الرأس فغسله ونظَّفه وطيَّبه بمسك ، ثمَّ جعله في حريرة ووضعه في حجره ، ولم يزل ينوح ويبكي وهو يقول : أيُّها الرأس المبارك! كلِّمني بحقِّ الله عليك ، فتكلَّم الرأس وقال : ما تريد مني؟ قال : من أنت؟ قال : أنا ابن محمّد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا المقتول بكربلاء ، أنا الغريب العطشان بين الملا ، فبكى الراهب بكاء شديداً ، وقال : سيدي! يعزُّ والله أن لا أكون أوَّل قتيل بين يديك ، فلم يزل يبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس ، فقال : يا رأس! والله لا أملك إلاَّ نفسي ، فإذا كان غدا فاشهد لي عند جدِّك محمّد أني أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله ، أسلمت على يدك وأنا مولاك.
فبدأ يصيح الشيخ بصوت حزين يقرح القلوب : مسيحيُّ أسلم ، مسيحىٌّ آوى رأس إمامكم ، وأنتم تدّعون أنكم من الإسلام!!
فأخذني البكاء الشديد ، وصرت أكفكف بدموعي ، وأنظر من حولي لئلا يراني أحد ، وأنا مكابر .. وأسأل : رأس ابن بنت النبيِّ يحمل على الرمح؟ يمثَّل به؟ من بلد إلى بلد؟ ويزيد يدّعي الإسلام!! مسيحيٌّ راهب آمن من وراء معجزة رأس الحسين وأنا مكابر؟ يا إلهي!! السماء تمطر دماً؟ ورأس الحسين يطاف به من بلد إلى بلد؟ فتذكَّرت حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا تمثِّلوا ولو بكلب عقور ، فأين هذه الأمّة من الإسلام؟ فصرت ألعن يزيد ومن عيَّن يزيد.