تلك الآيات القرآنيّة التي جاءت في باب الصفات غير توجيهكم ، وفي الواقع إن نسبة هذه الأفكار إلى ابن تيمية وابن عبد الوهاب أقرب وأصدق من نسبتها إلى السلف ، وحتى تتأكَّد من ذلك ارجع إلى أيِّ تفسير من التفاسير المأثورة في باب الصفات ، لتجد تأويلات السلف واضحة لهذه الآيات.
جاء في تفسير الطبري ، في تفسر قوله تعالى : ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ ) (١) التي اعتبرها ابن تيمية من أعظم آيات الصفات ، نجد أن الطبري يروي حديثين بإسناد إلى ابن عباس قال : اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي ، فقال بعضهم : هو علم الله تعالى ذكره ، وذكر من قال ذلك بإسناده أن ابن عباس قال : كرسيُّه علمه ، ورواية أخرى بإسناده عن ابن عباس قال : كرسيُّه علمه ، ألا ترى : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) (٢).
وفي تفسير الطبري نفسه ، ينقل في تفسر قوله تعالى : ( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) يقول : اختلف أهل البحث في معنى قوله : وهو العليُّ العظيم ، فقال بعضهم : يعني بذلك هو عليٌّ عن النظير والأشباه ، وأنكروا أن يكون معنى ذلك هو : العلي المكان ، وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان ، ولا يعني بوصفه بعلوِّ المكان ; لأن ذلك وصف بأنه في مكان دون مكان.
وإليك شاهداً آخر في تفسير قوله تعالى : ( كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (٣) وقوله : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالاِْكْرَامِ ) (٤).
__________________
١ ـ سورة البقرة ، الآية : ٢٥٥.
٢ ـ تفسير الطبري : ٣ / ٩٢٧.
٣ ـ سورة القصص ، الآية : ٨٨.
٤ ـ سورة الرحمن ، الآية : ٢٧.