لإثبات التنزيه لله عزّ وجلَّ فلا إشكال على من يقول : إن لله : جسماً بلا كيف ، ولا كالأجسام ، وله دم بلا كيف ، ولحم وشعر و ... بلا كيف ، كما قال أحد الحشوية : ( إنما استحييت عن إثبات الفرج واللحية ، واعفوني عنهما ، واسألوني عمَّا وراء ذلك ) كما ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل.
وإنَّما مشكلتكم هي التقليد في العقائد من غير تفكير ، مع أن التقليد في باب العقائد لا يجوز ، فإذا فكَّرت جيِّداً فيما نسبته للسلف من قولهم : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والسؤال عنه بدعة ) تجد أنّ هذا الكلام متهافت لأبعد الحدود ; لأنّ الاستواء إذا كان معلوماً فالكيف بالتالي يكون معلوماً ، وإذا كان الكيف مجهولا فكذلك الاستواء يكون مجهولا ، ولا ينفصل عنه ، فالعلم بالاستواء هو عين العلم بالكيفيّة ، والعقل لا يفرِّق بين وصف الشيء وبين كيفيّته ; لأنهما شيء واحد ، فإذا قلت : فلان جالس فعلمك بجلوسه هو علمك بكيفيّته ، فعندما تقول : الاستواء معلوم فنفس العلم بالاستواء هو العلم بالكيفيّة ، وإلاَّ فيكون في كلامك تناقض ، بل هو التناقض بعينه ، فكل تبرير بعدم الكيف مع إجراء المعاني الحقيقيَّة للألفاظ هو تناقض وتهافت ، فقولك : إن لله يداً بلا كيف ، كلام ينقض آخره أوَّله ، والعكس ; لأن اليد بالمعنى الحقيقي لها تلك الكيفيّة المعلومة ، ونفي الكيفيّة منها هو نفي لحقيقتها.
قاطعني قائلا : ماذا نفهم من هذا الكلام؟ هل تخالف السلف الصالح ، وتؤوِّل هذه الآيات؟
قلت : أولا : إنّ مجرَّد نسبة هذه الأفكار إلى السلف لا يكسبها قدسيّة يمنعها من النقاش.
ثانياً : إن السلف الذين تدّعي اتباعهم لم يقولوا ما قلت ، بل كانوا يوجِّهون