الاختيار ونظام الشورى ، وتبعه من تبعه ، ولكنّه غفل ـ أو بالأصحِّ تغافل ـ عن صدر الكلمة التي تعرب عن أن الاستدلال بالشورى من باب الجدل ، خضوعاً لقوله تعالى : ( وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) فإن الإمام علياً عليهالسلام بدأ كلمته ـ مخاطباً معاوية بن أبي سفيان ـ بقوله : أمَّا بعد ، فإنَّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام ، لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يردَّ ... إلى قوله : وإن طلحة والزبير بايعاني ثمَّ نقضا بيعتي ، وكان نقضهما كردِّهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق ، ظهر أمر الله وهم كارهون .. فادخل فيما دخل فيه المسلمون (٢).
فقد ابتدأ أميرالمؤمنين عليهالسلام بخلافة الشيخين ، وذلك يعرب على أنه في مقام إسكات معاوية الذي خرج على إمام زمانه ، وقد أتمَّ عليهالسلام كلمته بقوله : فإن اجتمعوا على رجل .. احتجاجاً بمعتقد معاوية ، بمعنى : ألزموهم ما ألزموا به أنفسهم.
وهذه هي الخطبة الشقشقية في نهج البلاغة عن أميرالمؤمنين عليهالسلام : « أما والله لقد تقمَّصها (٣) ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ، ينحدر عنّي السيّل ، ولا يرقى إليّ الطَّير (٤) ، فسدلت (٥) دونها ثوباً ،
__________________
١ ـ سورة النحل ، الآية : ١٢٥.
٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ٣ / ٧٥ ، و ١٤ / ٣٦ ، تأريخ دمشق ، ابن عساكر : ٥٩ / ١٢٨ ، المناقب ، الخوارزمي : ٢٠٢.
٣ ـ الضمير عائد على الخلافة ، فهنا شبَّه الإمام علي عليهالسلام خلافة أبي بكر كالذي لبس قميصاً ليس قميصه.
٤ ـ تمثيل لسمو قدره عليهالسلام ، وقربه من مهبط الوحي ، وأن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل فإنما يتدفَّق من حوضه ، ثمَّ ينحدر عن مقامه العالي ، فيصيب منه من شاء الله.
٥ ـ كناية عن غضّ نظره عن الخلافة ، وسدل الثوب : أرخاه.