قد جاء : (فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) (٢٣) (١) أي : فنعم القادرون نحن ، وهو عالم ، ولا يسمى عاقلا.
فقول أبي علي : أعم ، وأحسن ، لاشتماله على الصفتين : صفة القديم ، وصفة المخلوق.
[فإن قلت] : فقد قالوا : لغة ، ولغون ، وثبة ، وثبون ، وقلة ، وقلون. فجمعوا هذه الأسماء بالواو ، والنون. وهذا الجمع عندك ، لأولي العلم ، وهذه الأشياء خارجة عنهم؟!.
[قلت] : هذه الأشياء ، محذوفات اللام ، لأن لغة ، من لغوت ، أو لغا (٢) بالشيء. وقلة ، من : قلوته (٣) بالعصا. وثبة ، من : ثيّبت محاسنه. فلما كان كذلك ، جاءت هذه الجموع جبرانا لما حذفوه ، وعوضا عنه ، لأنهم مما يعوضون الشيء من الشيء. [فإن قلت] : فقد قالوا : أرض ، وأرضون ، وليس هذا من أهل العلم ، ولا مما حذف لامه ، فإن (أرضا) ، مؤنث ، وحقه أن يكون بالتاء ، كأنّ حقه : أرضة ، لأن الأرض مؤنثة ، فلما لم يستعمل التاء ، كان التاء في نية التقدير ، فصار ، ك : لغين ، وثبين. [فإن قيل] : فلم لم يقولوا : قدر ، وقدرون ، فإن [٢١ / أ] هذا كأرض؟!.
[قلت] : إنا نتكلم فيما تكلموا به ، ونعل ما نطقوا به ، فلو نطقوا بقدرين ، لكانت هذه علته.
فأما إذا استحسن شيء في موضع ، واستعمل فيه ما لم يستعمل في أخواته استحسانا ما ، فلا يلزم من أخواته ، لأن ذلك خروج عن القاعدة. فأما قوله ، عليه السّلام ، فيما روي عنه : إنه (كان تلطح أغيلمة بني عبد المطلب ، وهو يقول : أبينيّ ، لا ترموا جمرة العقبة ، حتى يطلع الفجر) (٤) ، [وقول الشاعر] :
٤٢ ـ إن يك : لا ساء ، فقد ساءه |
|
ترك أبينيك إلى غير راع (٥) |
[وقول الآخر] :
٤٣ ـ زعمت تماضر أنّني ، إما أمت |
|
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (٦) |
فإن (أبينين) عند سيبويه (٧) : تصغير أبنا ، على وزن : أعمى اسم مكبّر ، مفرد ، لفظا ، دال على الجمع. فأبنا : أفعل ، كأعمى ، فتصغيره : أبين ، مثل : أعيم ، ثم يجمع بالواو ، والنون ، فيقال : أبينون ، كقولهم : أعيمون. فقوله : أبينيّ : منادى مضاف ، حذف النون ، للإضافة ، وأدغم الياء ، أعني
__________________
(١) ٧٧ : سورة المرسلات ٢٣.
(٢) اللسان (لغا) ١٥ : ٢٥٠.
(٣) أي : ضربت. اللسان (قلا) ١٥ : ١٩٩.
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٥ ، ١٢٦ ، وكنز العمال ٥ : ٧٩ ، وفيه : (تطلع الشمس) ، بدل : (يطلع الفجر).
اللطح : الضرب بباطن الكف منشورة ضربا غير سديد. التاج (لطح) ٧ : ٩٠.
(٥) البيت من السريع ، للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي ، في : المفضليات ٣٢٣ ، والخزانة ٨ : ٣١ ، ٣٤.
(٦) البيت من الكامل ، لسلمي بن ربيعة ، في : ديوان الحماسة ١ : ٢١٢ ، وأمالي القالي ١ : ٨١ ، واللسان (خلل) ١١ : ٢١٥ ، وفيه : لسلمى بنت ربيعة ، وقد وهم ، والخزانة ٨ : ٣٠.
وبلا نسبة في : ابن يعيش ٩ : ٥ ، ٤١.
(٧) الكتاب ٣ : ٤٥٦ ، وفيه : (كما قالوا : ابينون. كأنهم حقروا : أبنى ، مثل أعمى) ، وفي موضع آخر (٣ : ٤٨٦) وردت (ابنا) مقصورة.