للتنكير ، ثم عرف ، فقيل : الآن كرجل والرجل. [فإن قلت] : فإن يزيد بن القعقاع المدني (١) روي عنه : (قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ)(٢) فهلا كان ذلك دليلا لقول الفراء من أن [٢٨ / ب] (الآن) ، أصله : آن ، سمي به؟!.
[قلت] : هذا غير معروف ، ولا يثبت بمثله الأصول. على أنه إن صح فهو : ك (أين) وآن : ك (عاب) و (عيب) وليس من (الآن) في شيء. فالضمير الذي في (قائم) ليس على حد الضمير الذي في الفعل ، لما ذكرنا ، ولأن اسم الفاعل بضميره ، لا يكون صلة لموصول. لا تقول : جاءني الذي قائم. كما يكون الفعل صلة للذي في قولك : جاءني الذي قام. فعلمت بذلك ، أن الضمير الذي في قائم ، مطّرح ، لأنهم ثنّوها ، وجمعوها على حد تثنية الأسماء ، وجمعها. أعني الأسماء غير المشتقة. فقالوا : قائمان ، وقائمون. ولم يكن ليكون مثل : يقومان ، ويقومون. لما ذكرناه من تمام الذي ب (يقومان ، ويقومون) ، ونقصانه ، في نحو : قائمين ، وقائمين. فهذا الضمير مطرح. وإنما يرتفع به الظاهر ، أعني باسم الفاعل إذا جرى خبرا على المبتدأ ، نحو : زيد قائم أبوه. أو صفة لموصوف ، نحو : مررت برجل قائم أبوه. أو صلة لموصول ، نحو : الذي قائم أبوه في الدار. أو حالا لذي حال ، كقولك : مررت بزيد قائما أبوه. فيقوى حين جرى على ما تقدم عليه مشابهته بالفعل. وأما غير المشتق ، فعلى ضربين : ضرب : هو هو ، وضرب : منزّل منزلته ، فالذي هو هو : زيد أخوك. فالأخ زيد ، وزيد الأخ. فهذا لا ضمير فيه عندنا (٣) ، لأنه ليس بمشتق. والذي هو منزل منزلته ، قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ)(٤) فأزواج النبي نودين بأمهات للمؤمنين في الحقيقة ، لأنه قال : (إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ)(٥). ولسن ولدن المؤمنين ، رضي الله عنهن ، ولكنهن بمنزلة أمهاتهم ، في امتناع التزوج بهن ، وحرمتهن عليهم ، كما هو شأن الأمهات. فأما قوله ، عليه السّلام : (ذكاة الجنين ذكاة أمه) (٦) فقد زعموا أنه من هذا الباب. أي : ذكاة الجنين ، نزّلت منزلة ذكاة أمه. وهذا ، وإن احتمله اللفظ. فالحمل على أن يكون : ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. يعني
__________________
(١) هو : أبو جعفر ، يزيد بن القعقاع (ت ١٢٨ ه ، أو ١٣٠ ه). أخذ القراءة عن : مولاه (عبد الله بن عياش) ، وعبد الله بن عباس ، وأبي هريرة. روى القراءة عنه : نافع المدني ، وأبو الحارث ، عيسى بن وردان ، وأبو عمرو ، وآخرون. كان إمام أهل المدينة في القراءة ، فسمي : القارئ. ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٨٢ ـ ٣٨٤.
(٢) ٣٦ : سورة يس ١٩. وينظر : المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة ٣ : ١٧٤.
(٣) يعني : عند البصريين. أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى أن خبر المبتدأ ، إذا كان اسما محضا (أي : جامدا) فقد تضمن ضميرا ، يرجع إلى المبتدأ ، نحو : زيد أخوك. والى ذلك ذهب من البصريين : علي بن عيسى ، والرماني. الإنصاف (مسألة ٧) ١ : ٥٥ ، ٥٦.
(٤) ٣٣ : سورة الأحزاب ٦.
(٥) ٥٨ : سورة المجادلة ٢.
(٦) سنن ابن ماجة ٢ : ١٤٩ ، وسنن الدارمي ١ : ١٢ ، وسنن أبي داود ٣ : ١٣٧ ، والمعجم الكبير ـ للطبراني ٤ : ١٦٢ ، وينظر : اللسان (ذكا) ١٤ : ٢٨٨.