التقديم ، والتأخير. والتقدير : زيد خلفك. وعند الأخفش (١) : يرتفع زيد بالظرف ، كما يرتفع بالفعل. وفائدة هذا الخلاف تظهر في قولهم : في داره زيد. يجوز هذا عند سيبويه ، لأن تقديره : زيد في داره. وعند الأخفش لا يجوز ، لأنه يصير هذا كناية عن غير مذكور ، لأن قولهم : في داره زيد : إذا رفع بالظرف على زعم الأخفش ، فهو بمنزلة الفعل ، والفاعل ، كقولك : ذهب زيد. وأنت إذا قلت : ذهب زيد ، فقد وقع (ذهب) موقعه. فلا ينوى به التأخير. فكذا : في داره زيد. وقد قالت العرب : (في أكفانه درج الميت) (٢). والتقدير : درج الميت في أكفانه. فكيف يرد أبو الحسن هذا؟! فأما إذا وقع الظرف خبرا عن المبتدأ ، أو صفة لموصوف ، أو حالا لذي حال ، أو صلة لموصول ، أو معتمدا على همزة الاستفهام ، أو على حرف النفي ، أو يكون الواقع بعده أن ، الذي في تقدير المصدر ، أو المصدر ، فقد اتفقا (٣) [٣٣ / ب] على أن الظرف رافع. قال الله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا)(٤) فأولئك : مبتدأ. ولهم : ظرف. وجزاء الضعف : رفع بالظرف ، لا خلاف بينهما ، لأن الظرف ، وما عمل فيه في موضع الرفع : خبر أولئك. وقال تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)(٥). فمن : موصول. وعنده : ظرف. وعلم الكتاب : مرفوع بالظرف ، لا خلاف بينهما ، لأن الظرف في صلة من. وقال تعالى : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٦).
فقوله : شك : رفع بالظرف ، لأنه اعتمد على الهمزة ، لا خلاف بينهما. وقال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً)(٧) ف (أنّ) مع ما عمل فيه : رفع بالظرف ، لأن قبله : (ومن آياته).
[قال الشاعر] :
٧٣ ـ أحقّا ، بني أبناء سلمى بن جندل |
|
تهدّدكم إيّاي ، وسط المجالس (٨) |
فتهددكم : رفع بالظرف. أي : أفي حق تهددكم؟
كأنه قال : أفي ذا ، ذاك؟ قال سيبويه (٩) : وسألته ، أي : الخليل ، عن قولهم : غدا الرحيل. ما بالهم بنوا على (غدا)؟! فزعم : أن الرحيل بمنزلة (أنّ) ، لأن (أنّ) ، مع ما بعده بمنزلة شيء. ويكون مبنيا على ما قبله. فالمصدر ، و (أنّ) في ذلك سيان. وتقول : مررت برجل في الدار أبوه. فترفع (أباه) بالظرف ، لأنه جرى وصفا على النكرة. قال الله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ
__________________
(١) الإنصاف (مسألة ٦) ١ : ٥١.
(٢) التاج (درج) ٥ : ٥٦٣ ، وفيه : (أدرج الميت في الكفن ، والقبر : أدخله).
(٣) أي : سيبويه ، والأخفش.
(٤) ٣٤ : سورة سبأ ٣٧.
(٥) ١٣ : سورة الرعد ٤٣.
(٦) ١٤ : سورة إبراهيم ١٠.
(٧) ٤١ : سورة فصلت ٣٩.
(٨) البيت من الطويل ، للأسود بن يعفر ، في : ديوانه ٤٢ ، والكتاب ٣ : ١٣٥ ، والتحصيل ٤٣٠ ، والأغاني ١٣ : ٢٤ ، والخزانة ١ : ٤٠١ ، ٢ : ٩١ ، ١٠ : ٢٧٦ ـ ٢٨٢.
(٩) الكتاب ٣ : ١٣٩ ، وقد ذكر الشارح كلام سيبويه بالمعنى ، ونصه : (يقول الرجل : ما اليوم؟ فتقول : اليوم إنك مرتحل ، كأنه قال : في اليوم رحلتك).