تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)(١). أي : تحدث ، وتقع. فأما قول أبي الفتح ، بعد هذا الفصل : وقد يضمر فيها اسمها ، وهو ضمير الشأن ، والقصة ، والحديث ، فتقع الجمل بعدها أخبارا عنها ، تقول : كان زيد قائم ، أي : كان الحديث ، والشأن : زيد قائم. فهذا ليس بقسم على حياله ، وإنما هو داخل في القسم الأول. أعني في الناقصة ، لأنه يحتاج إلى الاسم ، والخبر. ثم اعلم ، بعد ذلك ، أن قول النحويين : هو : ضمير الشأن ، والحديث ، يعنون به ضميرا تذكره العرب ، لتفخيم الأمر ، وتعظيم الشأن ، كي يستمعه المخاطب ، فيتشوف إلى ما بعده. وذلك يقع في المبتدأ ، والخبر ، ويقع ، بعد العوامل الداخلة على المبتدأ ، والخبر. ولهذا الضمير شرائط :
[الأولى] : أن يكون غير عائد إلى مذكور.
[الثانية] : أن لا يجوز إظهاره بتة.
[الثالثة] : أنه لا يجوز أن يعطف عليه ، أو يبدل منه ، أو يؤكد.
[الرابعة] : أن يفسر بجملة ، إما من مبتدأ ، وخبر ، وإما من فعل ، وفاعل.
[الخامسة] : أنه لا يجوز أن يقدم عليه هذه الجملة.
[السادسة] : أن لا يكون في هذه الجملة ، عائد يعود إلى المبتدأ الذي هو ضمير الشأن.
فافهم هذه الشرائط الست ، فإنا قد فهمناها من فحوى كلامه (٢) ، ولا أعلم من نص عليها. فمما جاء من ذلك في كتاب الله ، عز ، وجل ، في أوضح التأويلين : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) (٣). أي : قل : الأمر ، والشأن : الله أحد. وقال : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤). أي : فإذا القصة : أبصار الذين كفروا شاخصة فهي مبتدأ ، وأبصار الذين كفروا : مبتدأ [ثان]. وشاخصة : خبر مقدم.
والجملة : تفسير هي. وهذا الضمير ، إذا كان مذكرا ، فهو : ضمير الأمر ، والشأن : وإذا كان مؤنثا ، فهو : ضمير القصة.
وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً)(٥). فيمن قرأ بالتاء (٦). تقديره : أو لم تكن القصة. فاسم كان مضمر. وأن يعلمه : مبتدأ. وآية : خبره. والجملة : خبر كان ، وهي تفسير القصة. وأنكر أبو علي ، أن تكون آية : اسم تكن. وأن يعلمه : خبره ، لأن ذلك يكون في ضرورة الشعر [كقول الشاعر] :
٩٢ ـ ... |
|
ولا يك موقف منك الوداعا (٧) |
__________________
(١) ٤ : سورة النساء ٢٩ ، وهي قراءة : ابن كثير ، ونافع ، وأبي عمرو ، وابن عامر. وقرأها بالنصب ، خبرا لكان : حمزة ، والكسائي ، وعاصم. السبعة ٢٣١ ، وحجة القراءات ١٩٩ ، وتفسير القرطبي ٥ : ١٥١ ، ومجمع البيان ٣ : ٣٦ ، والنشر ٣ : ٢٤٩.
(٢) يعني : أبا علي.
(٣) ١١٢ : سورة الإخلاص ١.
(٤) ٢١ : سورة الأنبياء ٩٧.
(٥) ٢٦ : سورة الشعراء ١٩٧.
(٦) ورفع (آية) : ابن عامر ، والجحدري ، وبنصب (آية) قرأ : ابن عباس ، السبعة ٤٧٣ ، وحجة القراءات ٥٢١ ، والبحر المحيط ٧ : ٤١.
(٧) عجز بيت من الوافر ، سبق ذكره رقم (٨٩).