يقل : كذلك. فإذا جاز حذف الخبر في حال السعة ، فما بال حال الاسم لم يجز حذفه في السعة؟!.
[الجواب] ذلك ، لأن الخبر يشبه خبر المبتدأ ، وقد جاز حذف خبر المبتدأ ، لدلالة الكلام عليه. فأما حذف الاسم ، وإن كان مبتدأ في الأصل ، فهو مشبه بالمفعول ، وليس بمفعول في الحقيقة ، فلا يتصرف فيه ، لضعفه. وقد جاء حذف الاسم ، أعني حذف اسم إنّ ، وليس بضمير الشأن. [قال الشاعر] :
٩٩ ـ فلو كنت ضبّيا عرفت قرابتي |
|
ولكنّ زنجيّ غليظ المشافر (١) |
أي : ولكنك زنجي. [فإن قلت] : فإنك زعمت أن المضمر المجهول (٢) ، إنما يكون في باب المبتدأ أو العوامل الداخلة عليه ، وقد قالوا في قوله تعالى : (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها) [٤٤ / ب](لَهُمْ)(٣) : إن الهاء من (أسرها) ، كناية عن هذا الضمير.
أي : أسر القصة ، ثم فسرها بقوله : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً)(٤). و (أسر) ليس بعامل داخل على المبتدأ والخبر. [قلت] : نقول في جواب هذا : إن (أسرها) ، أي : أسر الإجابة أو المقالة. ويعني بالمقالة : المقول. وإذا احتمل هذا ، لم يكن قدحا فيما قلنا. وكيف يكون (أسرها) للمجهول ، والهاء مفعول به ، وهو فضلة في الكلام. وهذا المجهول معتمد الكلام ، فكيف يكون هذا مثله ، والمضمر على شريطة التفسير ، لم يجئ في كلامهم على هذا الحد ، لأنه جاء على وجهين : الأول : أن يفسر بجملة ، وهو الذي تقدم ذكره. والآخر : أن يفسر بمفرد ، وهو في باب نعم ، نحو : نعم رجلا زيد ، أي : نعم الرجل رجلا ، فهو فاعل مفسر بمذكور. ونحو قولهم : ربّه رجلا. فرجلا تفسير للهاء المضمر في ربّه. فإذن هو ضربان : مفرد مفسر بمفرد ، ومفرد مفسر بجملة ، وليس فيها جملة تفسير لمفرد من جملة أخرى. فهذه دعوى لا طائل تحتها. [فإن قلت] : فإن الهاء في قوله : (فأسرّها) وإن كانت فضلة ، فإنه جاز أن يفسر كما جاز تفسير الهاء في : ربه رجلا ، والجار ، والمجرور أيضا فضلة في الكلام. [الجواب] : هذا لم يمتنع لأجل الفضلة ، أو غير الفضلة ، وإنما امتنع ، لأنه جملة يدّعى فيها أنه تفسير مفرد من جملة أخرى.
[قال أبو الفتح] : من أقسام (كان) : أن يكون بمعنى : صار. والفرق بين (كان) و (صار) أن
__________________
(١) البيت من الطويل ، نسب للفرزدق ، وليس في ديوانه وهو بهذه النسبة في : الكتاب ٢ : ١٣٦ ، والتحصيل ٢٨١ ، والأغاني ٢١ : ٣٣٢ ، وجاءت روايته فيه :
فلو كنت قيسيا إذن ما حبستني |
|
ولكنّ زنجيا غليطا مشافره |
وابن يعيش ٨ : ٨٢ ، واللسان (شفر) ٤ : ٤١٩ ، والخزانة ٩ : ٢٢٨ ، ١٠ : ٤٤٤ ، ٤٤٦ ، والتاج (شفر) ١٢ : ٢١٠.
وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ١٨٢ ، والجمل ١ : ٤٢٦ ، ٤٤٢ ، وشواهد التوضيح ٢٠٦ ، والمغني ١ : ٢٩١.
(٢) المراد بالمضمر المجهول : ضمير الأمر ، والشأن.
(٣) ١٢ : وسورة يوسف ٧٧.
(٤) ١٢ : سورة يوسف ٧٧.