بالكسر (١) ، من قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ)(٢) إلى قوله : (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٣) فجر قوله : (واختلاف) بالعطف على (خلقكم) ونصب (آيات) بالعطف على (آيات) كما أنّ (وَفِي خَلْقِكُمْ) معطوف على قوله (إِنَّ فِي السَّماواتِ) و (آيات) معطوفة على المنصوب ب (إنّ). ف (إنّ) و (في) : عاملان مختلفان ، فاستجاز العطف عليهما ، فدل على جوازه [قال الشاعر] :
١١٥ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور |
|
بكفّ الإله مقاديرها |
فليس بآتيك منهيّها |
|
ولا قاصر عنك مأمورها (٤) |
فجرّ (قاصرا) بالعطف على (آتيك) ، ورفع (مأمورها) بالعطف على (منهيها) والعاملان : الباء ، وليس [وقال الفرزدق] :
١١٦ ـ وباشر راعيها الصّلا ، بلبانه |
|
وكفّيه ، حرّ النار ، ما يتحرّف (٥) |
فجرّ و (كفيه) عطفا على المجرور بالباء. ونصب (حرّ النار) عطفا على المنصوب ب (باشر).
فهما عاملان مختلفان. والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن ، وذلك ، لأنه لو جاز العطف على عاملين ، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك ، لجاز على مئتين ، وأكثر من ذلك ، وهذا بين الفساد ، لأن حرف العطف قائم مقام العامل ، فيقوم مقام عامل واحد ، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين. فأما ما احتج به من الآي ، والأبيات ، فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيها لجري ذكره. والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ ، والكلام. فقوله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ) فتقديره : أو لفي ضلال ، فأضمر اللام لجري ذكره ، على أن اللام ليست بعاملة [٤٧ / ب] : في اللفظ ، وكلامنا في اللفظ ، لا في المعنى. وأما قوله : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ) فتقديره : وفي اختلاف الليل. وأضمر ، لأن قوله : (وَفِي خَلْقِكُمْ) دل على ذلك. كما أن قوله : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ)(٦) تقديره : فله أنّ له نار جهنم.
فأضمر له بعد الفاء ، لأنه مذكور في صلة (أنّ).
__________________
(١) وهم : حمزة ، والكسائي ، ويعقوب. تفسير الرازي ١ : ٢٥٩ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ١٥٧ ، والنشر ٢ : ٣٧١.
(٢) ٤٥ : سورة الجاثية ٤ ، ٥.
(٣) ٤٥ : سورة الجاثية ٥.
(٤) البيتان من المتقارب ، للأعور الشني ، في : الكتاب ١ : ٦٤ ، والتحصيل ٨٣ ، والخزانة ٤ : ١٣٦ ، ولابن أبي حازم في العقد ٣ : ٢٠٧.
وبلا نسبة في : المغني ١ : ١٤٦ ، ٢ : ٤٨٧ ، ٥٣٢ ، وهمع الهوامع ٢ : ١٣٠ ، ٤ : ١٨٨.
(٥) البيت من الطويل ، للفرزدق ، في : ديوانه ٢ : ١٢٠.
الصلا : التدفؤ ، والاصطلاء. لبانه : صدره. يتحرف : يميل ، وينحرف.
(٦) ٩ : سورة التوبة ٦٣.