ويقرؤون : (ما هنّ أمّهاتهم) بالرفع (١). وقد رواها المفضل (٢) عن عاصم (٣) هكذا.
[قال أبو الفتح] : فإن قدمت الخبر ، أو نقضت النفي بإلا ، لم يكن فيه إلا الرفع. تقول : ما قائم زيد. وما زيد إلا قائم ، ترفع في اللغتين جميعا.
[قلت] : اعلم أن أهل الحجاز ، إنما يعملون (ما) إعمال (ليس) بثلاث شرائط :
[الأولى] : أن لا ينقض النفي.
[الثانية] : أن لا يتقدم الخبر على الاسم.
[الثالثة] : أن لا يفصل بين (ما) والاسم بفاصل إلا الظرف. وإنما لم يذكر أبو الفتح هذا الوجه ، لأن هذا الحكم ثابت في باب (كان) أيضا. فتقول : ما زيد إلا قائم ، ترفع (زيد) بالابتداء ، وترفع (قائم) بالخبر ، لأن (إلا) أبطلت معنى النفي ، وصيرت الكلام إلى الإثبات. وكذلك : ما زيد قائما ، بل قاعد ، ترفع قاعدا على تقدير : بل هو قاعد. ولا يجوز أن تنصب ، فتقول : بل قاعدا ، لأن (بل) أبطلت معنى النفي. وكذلك تقول : ما قائم زيد. ترفع قائما بالابتداء ، وزيد مرفوع بقائم.
وهذا لا خلاف فيه. أعني رفع قائم بالابتداء هاهنا ، لأنه قد اعتمد على حرف النفي.
وكذلك تقول : ما طعامك زيد آكل. ترفع زيدا بالابتداء ، وآكل خبره ، وطعامك منصوب بآكل ، مقدم على المبتدأ ، فأبطل عمل (ما) ، لأن الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبي ليس بالوجه.
وكذلك لا يجوز : كانت زيدا الحمى تأخذ. لا يجوز إلا على إضمار [٤٧ / أ] الباء (٤). وسيبويه (٥) منع ذلك ، وأجازه الأخفش ، وقال : لو قلت : مررت بزيد في الدار ، والقصر عمرو ، جاز أن تعطف القصر على المجرور بفي ، وتعطف عمرا على المجرور بالباء. وأخذ يحتج لذلك بأشياء منها ، قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٦).
وتقدير الآية : وإنا أو إياكم لعلى هدى ، أو إنا وإياكم في ضلال مبين. و (أو) : نائب عن (إنّ) الأول. والمتقدم : اللام ، وإنّ. وعطف عليهما ، فجاز ذلك. ومنها قراءة من قرأ : (آيات)
__________________
(١) وهي ، كذلك قراءة : أبي معمر ، والسلمي. السبعة ٦٢٨ ، وتفسير القرطبي ١٧ : ٧٩ ، والبحر المحيط ٨ : ٢٣٢.
(٢) هو : المفضل بن محمد بن يعلى ، الضبي ، الكوفي (ت ١٦٨ ه). أخذ القراءة عن : عاصم ، والأعمش. وروى القراءة عنه : الكسائي ، وجبلة بن مالك ، وسعيد بن أوس ، وآخرون. قال أبو زيد الأنصاري : سمعت المفضل يقول : كنت آتي عاصما أقرا عليه وإذا لم آته أتاني في بيتي ، ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٠٧.
(٣) هو : عاصم بن بهدلة أبي النجود (ت ١٢٠ ه على الأرجح). أخذ القراءة عن : زر بن حبيش ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي عمرو الشيباني ، وروى القراءة عنه : أبان بن تغلب ، وحفص بن سليمان ، وأبو بكر شعبة بن عياش ، وآخرون. وانتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد أبي عبد الرحمن السلمي. ينظر : غاية النهاية ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩.
(٤) أي : كانت بزيد الحمى تأخذ.
(٥) الكتاب ٢ : ٣٨١.
(٦) ٣٤ : سورة سبأ ٢٤.