١١٣ ـ كشحا طوى من بلد مختارا |
|
من يأسة اليائس أو حذارا (١) |
فحمل قوله : حذارا ، على موضع قوله : من يأسة ، أي : طوى كشحا من اليأس ، ومن حذار ، أي : لأجل اليأس ، والحذار. وأنشد [قول الشاعر] :
١١٤ ـ فإن أنت لم يصدقك علمك فانتسب |
|
لعلّك تهديك القرون الأوائل |
فإن لم تجد من دون عدنان والدا |
|
ودون معدّ ، فلتزعك العواذل (٢) |
فنصب قوله : ودون معد ، على موضع قوله : من دون عدنان. وقد قال أبو علي في قوله تعالى : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ)(٣) : إن نصب (يوم القيامة) ، محمول على موضع قوله : (في هذه الدنيا). أي : أتبعوا في هذه الدنيا ، وفي يوم القيامة لعنة. كما قال : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٤). وقال أيضا في قوله : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٥) فيمن نصب (٦) ، إنه محمول على موضع قوله : (بإسحق). وإذا كان كذلك ، فطعن هذا الطاعن ساقط ، لأنه وإن لم يكن بيت الأسدي حجة ، فما يقول في غيره.
[قال أبو الفتح] : وشبّه (ما) بليس في لغة أهل الحجاز ، فيقولون : ما زيد قائما. كما يقولون : ليس زيد قائما. فترفع زيدا ، لأنه اسم (ما) وتنصب (قائما) ، لأنه خبرها. وأما بنو تميم ، فيجرونها مجرى (هل) ، فلا يعملون (ما) ، بل يتركون ما بعدها بحاله ، فيقولون : ما زيد قائم. فيرفعون زيدا بالابتداء [٤٦ / ب] وقائم خبره.
[قلت] : اعلم أن العرب قد اختلفت في إعمال (ما) النافية ، فشبهها أهل الحجاز بليس ، لأن (ما) لنفي الحال ، كما أن (ليس) كذلك. فلما أشبهها أعملوها إعمالهم ليس ، فرفعوا بها الاسم ، ونصبوا بها الخبر ، فقالوا : ما زيد قائما ، كما قالوا : ليس زيد قائما. وبلغتهم نزل القران. قال الله تعالى : (ما هذا بَشَراً)(٧) وقال (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٨). وأما بنو تميم ، فلا يعملونها ، ويرفعون ما بعدها بالابتداء ، والخبر ، فيقولون : ما زيد قائم ، لأنهم رأوا (ما) تدخل على القبيلين ، أعني الأسماء والأفعال ، نحو : ما زيد قائم ، وما قام زيد ، فلا ينبغي أن يعمل كما لا يعمل : هل ، وبل ، وإنما ، وأنما ، وغير ذلك.
__________________
(١) من الرجز ، للعجاج في : ديوانه ٣٩٢ ، والكتاب ١ : ٦٩ ، والتحصيل ٨٩ ، والإنصاف ٢ : ٣٣٣.
(٢) البيتان من الطويل ، للبيد ، في : ديوانه ٢٥٥ ، والكتاب ١ : ٦٨ ، والتحصيل ٨٨ ، والمقتضب ٤ : ١٢٥ ، وأمالي المرتضى ١ : ١٧١ ، وهمع الهوامع ١ : ٢١٨ ، ٥ : ١٥٩ ، والخزانة ٢ : ٢٥٢ ، ٩ : ١١٢.
وبلا نسبة في : الإنصاف ١ : ٣٣٤ ، والمغني ٢ : ٤٧٣ ، والأشموني ٢ : ٢٤١.
(٣) ١١ : سورة هود ٦٠.
(٤) ٢٤ : سورة النور ٢٣.
(٥) ١١ : سورة هود ٧١.
(٦) وهي : قراءة العامة.
(٧) ١٢ : سورة يوسف ٣١.
(٨) ٥٨ : سورة المجادلة ٢.