يُعْلِنُونَ) (٧٦) (١) ، فكسر (إنّ) في الآيتين ليس على القول ، بل الكلام تم عند قوله : (قولهم) ثم استأنف. وهذا ظاهر. وإنما ذكرته ، لأن بعضهم توهم ، خلاف ذلك. كما أن أكثرهم توهموا على يزيد (٢) في قراءته : (لِيَجْزِيَ قَوْماً)(٣) أن تقديره : ليجزى الجزاء قوما. قالوا : ولا يجوز : ضرب ضرب زيدا ، إنما لم يجز ، لأن المصدر إذا أقيم مقام الفاعل ، يوصف. وتقديره : ليجزى الجنة قوما (٤). ولا يجوز أنّ تقدير الآية : ليجزى الجزاء قوما ، لأن يجزى يدل على الجزاء.
ثم ذكر من بعد ذلك أن (إنّ) تأتي بمعنى : نعم. وأنشد البيت ، وهو قوله :
١٣٠ ـ ... |
|
... فقلت إنّه (٥) |
أي : نعم. وردّ على القتيبي (٦) ، قوله في غريب الحديث (٧) ، نصا في هذا البيت ، فقلت : إنه ، أي : إنه كذلك. كما قال : (فإن ذلك) (٨) ، ولم يقل : كذلك. وعدل أبو الفتح إلى هذا القول ، وأنّ الهاء للاستراحة ، وأن الكلام لا يحمل على الحذف ، ما وجد عنه مندوحة ، [و](٩) لا سيما والباب باب الحروف دون الأفعال ، وهي أقل تصرفا منها.
[قال أبو الفتح] : فإن عطفت على اسم (إنّ ، ولكنّ) بعد خبرهما ، جاز لك في المعطوف : النصب على اللفظ ، والرفع على موضع الابتداء. تقول : إن زيدا قائم وعمرا. وإن شئت ، قلت : وعمرو. وكذلك : لكنّ جعفرا منطلق وبشرا. وإن شئت ، قلت : وبشر. ولا يجوز العطف على موضع الابتداء ، مع بقية أخواتها ، لزوال معنى الابتداء منها. ولكن تقول : ليت زيدا خارج ، وبكرا.
__________________
(١) ٣٦ : سورة يس ٧٦.
(٢) أي : أبو جعفر المدني. وقد سبقت ترجمته ص ٣١.
(٣) ٤٥ : سورة الجاثية ١٤. وهي كذلك قراءة : عاصم ، وشيبة ، والأعرج. ينظر : مجمع البيان ٩ : ٧٤ ، وتفسير القرطبي ١٦ : ١٦٢ ، والنشر ٢ : ٣٧٢.
(٤) مجمع البيان ٩ : ٧٤ ، نقل عن الشارح قوله : (معناه : ليجزى الخير قوما ، فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه ، وليس التقدير : ليجزى الجزاء قوما ، لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل ، ومعك مفعول صحيح).
(٥) البيت من مجزوء الكامل ، لابن قيس الرقيات ، وتمامه :
ويقلن : شيب قد علا |
|
ك ، وقد كبرت ، فقلت : إنه |
وهو في : ديوانه ٦٦ ، والتحصيل ٥٥٣ ، وشرح اللمع ـ لابن برهان ١ : ٨٥ ، واللسان (إنن) ١٣ : ٣١ ، والخزانة ١١ : ٢١٣ ، ٢١٦.
وبلا نسبة في : الكتاب ٣ : ١٥١ ، ٤ : ١٦٢ ، والإيضاح ٢ : ٢٢٢ ، وابن يعيش ٣ : ١٣٠ ، والمغني ١ : ٣٨ ، ٢ : ٦٤٩.
(٦) هو : عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت ٢٧٦ ه). أخذ عن أبي حاتم السجستاني ، وأخذ عنه ابن درستويه. من آثاره : (غريب القرآن) ، و (غريب الحديث) ، و (عيون الأخبار). وينظر : نزهة الألباء ١٥٩.
(٧) غريب الحديث ـ لابن قتيبة ١ : ٥٣٧.
(٨) جزء من حديث للرسول عليه الصلاة والسّلام سبق تخريجه ص ١١٠.
(٩) دخول الواو على : لا سيما ، واجب. قال ثعلب : من استعمله على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس :
ألا ربّ يوم صالح لك منهما |
|
ولا سيما يوم بدارة جلجل |
فهو مخطئ. ينظر : المغني : ١ / ٢٧٧.