وإن لم يجز : لا رجلا. فأما قوله : مثل مروان ، فإن رفعت ، كان وصفا للاسمين. وإن نصبت كان وصفا لأحد الاسمين ، ولا يكون لهما ، لاختلاف حكميهما. واعلم أن (لا) إذا وصف اسمه جاز في وصفه ثلاثة أوجه :
[الأول] : لا رجل ظريف عندك ، بترك التنوين.
[الثاني] : لا رجل ظريفا ، بالتنوين.
[الثالث] : لا رجل ظريف ، على الموضع. والتنوين في الصفة مثلها في المعطوف ، لما لم يل (لا). وإذا كان الاسم مضافا ، أو مشابها للمضاف ، انتصب بعد (لا) انتصابا صحيحا. تقول : لا غلام رجل عندك ، ولا خيرا من زيد في الدار. ألا ترى أنه ، لو لم ينتصب ، انتصابا صحيحا لم ينوّن قولك : لا خيرا من زيد. فلما نوّن علم أن انتصابه صحيح ، وأنه ليس كالمفرد في قولك : لا رجل في الدار. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ)(١) لم ينتصب قوله (اليوم) بنفس عاصم ، لأنه لو انتصب به ، لصار قوله (عاصم) عاملا فيه. وإذا عمل فيه أشبه قولك : لا خيرا من زيد. ولو أشبهه لكان مثله. ولو كان مثله ، وجب تنوينه. وفي إجماع الأمة على أنه غير منون ، دليل على أن (اليوم) لا يتعلق بعاصم ، إذ لم ينون. وإن قلت : فبماذا يتعلق إذن؟ فذاك كلام آخر. والمقصود أن يتعين ، أنه ليس بمعمول لعاصم ، كما أن قوله : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(٢) وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٣) وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ)(٤) وقوله : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٥) وما أشبه ذا من كلامهم نحو قولهم : (لا خير بخير بعده النّار ولا شرّ بشرّ بعده الجنّة ولا آمر بالمعروف يوم الجمعة) (٦).
لا يتعلق شيء من هذه الأشياء ، بما عمل فيه (لا) لأنها غير منونة (٧) ، بخلاف ما يقوله بعض البغداديين. ألا ترى أن في تعليق ذلك به ، إيجاب التنوين ، لأنها مشابهة للمضاف ، من حيث كان عاملا فيما بعده ، كما أن المضاف عامل فيما بعده ، وإن اختلف العمل.
فاليوم متعلق بالخبر. والخبر ، قوله : (من أمر الله). والتقدير [٥٥ / ب] : لا عاصم كائن من أمر الله اليوم. ولا يكون اليوم الخبر : و (من أمر الله) متعلق به ، لأن ذاك يوجب جواز : زيد يوم الجمعة. ولا فائدة في ذلك ، لما أعلمتكه في بابه. ولا يجوز أيضا أن يتعلق اليوم بالمصدر الذي هو : أمر الله ، لأن ما في صلة المصدر لا يتقدم عليه.
[قال أبو الفتح] : وتثنّي بالنون ، فتقول : لا غلامين لك ، ولا جاريتين. إنما قال ذلك ، لأن الواحد غير منون. وقد ذكر في باب التثنية أن النون عوض من الحركة والتنوين اللتين كانتا في
__________________
(١) ١١ : سورة هود ٤٣.
(٢) ١٢ : سورة يوسف ٩٢.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢.
(٤) ٢ : سورة البقرة ٢٥٤.
(٥) ٢ : سورة البقرة ١٩٧.
(٦) همع الهوامع ٢ : ١٢٨ ، وفيه : (لا خير بخير بعده النار).
(٧) الكتاب ٢ : ٢٨٧ (الهامش ٣) (ه).