يوجب له التقدم عليهما. وقولهم : المؤكّد أصل والمؤكّد فرع. قلنا : الأسماء التي ليست بمصادر تؤكّد بها ، ومع ذلك ، لا يوجب لها ذلك تأخرا ، وقصورا ، وحصرا ، عما لنظائره.
وأما اعتلال : صيام ، وقيام ، لاعتلال : صام ، وقام ، فقد يحمل الأصل على الفرع ، في بعض المواضع ، كما يحمل الفرع على الأصل. ألا ترى أن الفراء ، زعم في فتح (ضرب) ، أنه محمول على (ضربا) وحمل الواحد على الاثنين. ولا خلاف أن الواحد قبل الاثنين ، فلم أنكر منا ما قال به هناك؟! وأولى الأشياء بذلك من الدلائل ، تسمية النحاة ، أجمع ، الضرب ، والأكل : مصدرا ، لصدور الفعل عنه.
ولو زعم أن المصدر بمعنى الصادر ، لم يسمع منه ، لأن الأكثر ما قلنا. وإذا كان كذلك ، فقوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)(١) يحكم ب (أفضى) أنه مشتق من الفضاء ، ولا يحكم بالفضاء أنه مشتق من (أفضى).
[قال أبو الفتح] : فإذا ذكر المصدر مع فعله ، فضلة ، فهو منصوب به. تقول : قمت قياما ، وقعدت قعودا ، أعلمك أن انتصاب المصدر ، إنما يكون إذا ذكر الفعل قبله لفظا ، أو تقديرا. أو يكون المصدر تأكيدا للفعل الذي قبله ، فضلة.
ألا ترى أنك ، إذا قلت : قمت قياما ، لم يفهم منه أكثر مما يفهم من قولك : قمت وإنما قال : فضلة ، لأنك إذا قلت : ضرب ضرب شديد ، أو أعجبني ضرب زيد ، لم ينتصب ، لأن المصدر ها هنا ، عمدة في الكلام ، وليس بفضلة.
[قال أبو الفتح] : وإنما يذكر المصدر ، مع فعله ، لأحد ثلاثة أشياء ، وهي : توكيد الفعل ، وبيان النوع ، وعدد المرات. تقول في توكيد الفعل : قمت قياما. وفي بيان النوع : قعدت قعودا طويلا. وفي عدد المرات [٥٧ / ب] : قمت قومتين ، وقعدت قعدتين ، وضربت ثلاث ضربات. ولا يجوز تثنية المصدر ، ولا جمعه ، لأنه اسم الجنس ، ويقع بلفظه على القليل ، والكثير ، فجرى لذلك مجرى الماء ، والزيت ، والتراب.
[قلت] : اعلم أن المصدر اسم للجنس ، يتناول القليل ، والكثير. وأسماء الأجناس لا تثنى ، ولا تجمع ما دامت تتناول القليل ، والكثير ، إلا إذا اختلفت أنواعه ، فحينئذ جاز فيه ما يجوز في سائر الأسماء. قال الله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢) (٢). والتقى : فعل على وزن افتعل ، بمعنى تلاقى. كما أن اجتوروا بمعنى : تجاوروا. ولا يكون التفاعل إلا بين اثنين.
تقول : تخاصم زيد وعمرو ، ولا يجوز : فعمرو ، تحقيقا للشركة ، والجمع. وجاز التقى الماء ، لأنه جنس يتناول القليل ، والكثير ، كما جاز : المال بين القوم. ولا يقال : المال بين زيد. وجاز بين القوم ، لأنه يدل على أكثر من واحد.
__________________
(١) ٤ : سورة النساء ٢١.
(٢) ٥٤ : سورة القمر ١٢.