[والثالث] : من خواصّ هذا الباب ، هو : التعليق. ومعنى التعليق : هو أن تعلّق الفعل بين أن تعمله في المعنى ، ولم تعمله في اللفظ ، بخلاف الإلغاء ، لأن الإلغاء إبطاله لفظا ، ومعنى. فقولك : علمت : لعبد الله قائم. وعلمت : أزيد في الدار أم عمرو. فالفعل معمل في المعنى دون اللفظ ، لأن الجملة في المعنى ، سادة مسدّ المفعولين ، إلا أن اللام ، والهمزة منعتا الفعل من العمل ، لما تقتضيانه من صدر الكلام. قال تعالى : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى)(١). فلم يعمل لنعلم ، لأن (أيّا) لما كان استفهاما منع من ذلك.
[فإن قلت] : فلم زعمت أنّ التعليق يختص هذا الباب ، وقد قال الله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) (٦٩) (٢). فلم يعمل (لننزعنّ) في (أيّهم) كما لم يعمل (لنعلم) في (أيّ الحزبين). وقد قال الله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ)(٣). فعلّق (يدعو) حيث أدخل اللام على قوله : (من). فهذان فعلان خارجان عن الأفعال السبعة؟
[الجواب] : أنّ تعليق (ننزع) في الآية قول يونس (٤) ، وليس بقول سيبويه ، ولا الخليل. فلا يلزمنا ذلك. على أنا نقول : إن يونس استجاز تعليق (ننزع) ، لأن المراد بالنزع في الآية ، هو التمييز بين الصالح ، والطالح ، وليس المراد به نزع الشيء من الشيء ، كنزع المسامير من الخشب.
فلهذا جوز التعليق.
ثم قول سيبويه في الآية ، أنّ (أيهم) مبني ، لأنه بمعنى (الذي) (٥) وقد حذف منه ما يعود إليه ، وما يعود إليه موضح له مبيّن ، وهو بعضه. فلما حذف منه ذلك استحق البناء ، كقبل ، وبعد.
ونحن نقول في الآية : إنّ (من) زائدة. والمفعول قوله : (كلّ شيعة). وإن كان قد قال : هي لا تزاد في الواجب. وأما قوله (يدعوا لمن ضرّه) فليس (يدعو) معلّقا ، وإنما هو في موضع الحال ، مما قبله.
والتقدير : ذلك هو الضّلال البعيد مدعوّا.
وقوله : (لمن ضرّه) مبتدأ ، وليس بمفعول ، فلا يلزمنا ذلك. أو يكون (يدعو) بمعنى (يقول).
وما بعد القول [٦٣ / أ] مبتدأ ، وخبر. وقول الفراء تقديره : يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ، وأنّ اللام مؤخر في النية [غير (٦)] جائز (٧) ، لأن ما في الصلة لا يتقدم على الموصول. وإذا احتمل هذا صح أنّ التعليق من خواص هذا الباب ، وأنّ قوله : علمت لزيد في الدار ، وعلمت : زيدا أبو من هو ، بالرفع ، أعني في زيد ، لما كان قوله : من هو : استفهاما عائدا إلى زيد ، وهو في المعنى هو ، لا يجوز هذا في غير هذه الأفعال ، قال : وتقول : علمت أيّ يوم الجمعة ، وأيّ يوم الجمعة ، بالنصب ،
__________________
(١) ١٨ : سورة الكهف ١٢.
(٢) ١٩ : سورة مريم ٦٩.
(٣) ٢٢ : سورة الحج ١٣.
(٤) الكتاب ٢ : ٤٠٠ ، وفيه : (وأمّا يونس فيزعم أنه بمنزلة قولك : أشهد إنك لرسول الله).
(٥) الكتاب ٢ : ٣٩٩.
(٦) في الأصل : فغير ، ودخول الفاء لا مسوغ له ، فغير خبر إلى قول.
(٧) معاني القرآن ـ للفراء ٢ : ٢١٧.