قوله [٦٢ / أ] (بما لم يفعلوا) فلما طال الفاعل بالصلة ، أعاد الفعل ، فقال : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) فأعاد مع المفعولين ذكر الفعل ، والفاعل. فعلى هذه القراءة ، لا بد من ضم الباء في (تحسبنّهم) (١).
الثاني ، لأن الفاعل فيها مستكنّ. وأما من قرأ بالتاء (٢) ، فالذين يفرحون : المفعول الأول.
وقوله : (بمفازة) هو المفعول الثاني ، إلا أنه كرر الفعل لما طال المفعول الأول بالصلة. والفاء في كلا القراءتين زائدة ، إذ لا وجه للعطف ، ولا للشرط ، من حيث إنّ المفعول الثاني لا يعطف على الأول ، ولا يعطف المفعولان على الفاعل. وأما الشرط ، فلا إشكال فيه ، أنه ليس هناك ما يتضمن الشرط.
[والثاني] : من خواص هذا الباب : أنّ الفعل يلغى ، إذا توسط ، أو تأخر. كقولك : زيد ، أظن ، قائم. وزيد قائم ، أظن. والإعمال ، حالة التوسط ، أحسن ، والإلغاء ، حالة التأخر ، أحسن. فأما إذا تقدم الفعل ، نحو : أظن زيدا قائما ، فلا يجوز الإلغاء. وإنما جاز الإلغاء في هذا الباب ، لأن الكلام يصير مفيدا بعد الإلغاء ، كما كان مفيدا قبله. فأما إذا تقدم فقد قصدت إليه ، فلا بد من إعماله ، وإن لم يكن له تأثير ، وقد يجرى مجرى القسم. أعني هذه الأفعال. فتعامل معاملة القسم ، ولا يوهمنك ذلك ، أنه ملغى. فما جاء من قراءة من قرأ : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)(٣) بكسر الألف ، و (لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ)(٤) بكسر الألف ، فإن هذا محمول على القسم ، فتلقّي بما يتلقّى به القسم من (إنّ) وغيره. ألا ترى أنه قد جاء : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(٥) فيمن وصل ، ولم يقف. وهم : غير الأنباري ، وسهل ، وكذلك : (آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ)(٦)(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ)(٧). [وقال الشاعر] :
١٦٠ ـ ولقد علمت : لتأتينّ منيّتي |
|
إنّ المنايا ، لا تطيش سهامها (٨) |
فهذه الأشياء جارية مجرى القسم ، وما بعدهن أجوبة لها ، كما تكون أجوبة للقسم.
قال أبو الحسن (٩) : إذا لم تعدّ هذه الأفعال ، فقبيح أن لا تجرى مجرى القسم. ولهذا المعنى ، لم يحسن وقف الأنباري ، وسهل على قوله : (وظنّوا) لأنه لما وقف ، ولم يعدّ ، وجب أن يجاب بجواب القسم. وكأنه قال : وضل عنهم ما كانوا يدعون [٦٢ / ب] من قبل ، وظنوا ، وأيقنوا ، وعلموا ، حتى صار كأنهم أقسموا : (ما لهم من محيص).
__________________
(١) وهي قراءة : الضحاك ، وعيسى بن عمر. تفسير القرطبي ٤ : ٣٠٧ ، والبحر المحيط ٣ : ١٣٧.
(٢) وهم : عاصم ، وحمزة ، والكسائي. السبعة ٢٢٠ ، وحجة القراءات ١٨٦.
(٣) ٧ : سورة الأعراف ٣٠ ، لم أقف على من قرأ بكسر الألف.
(٤) ٣ : سورة آل عمران ١٧٨ ، وهو : يحيى بن وثاب. إعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٣٧٩ ، ٣٨٠ ، وتفسير القرطبي ٤ : ٢٨٨.
(٥) ٤١ : سورة فصلت ٤٨.
(٦) ٤١ : سورة فصلت ٤٧.
(٧) ٢ : سورة البقرة ١٠٢.
(٨) سبق ذكره (١١٩).
(٩) أي : الأخفش.