وعدّت : (صنعت) و (قمت) إلى المنصوب ؛ كما عدّت الباء (مررت) إلى زيد ، وعدّت (إلّا) قام القوم إلى الاسم الذي بعده. وإذا كان كذلك ، فقول أبي إسحاق إن قولهم : ما صنعت وأباك : منصوب بفعل مضمر ، على تقدير : ما صنعت ولا بست أباك : قول فاسد. لأن انتصاب الاسم إذا أمكن حمله على الظاهر ، لا يحمل على المضمر. وقول الأخفش : إنّ انتصاب الاسم إنما هو بحذف (مع) وإقامة الواو مقامه ؛ باطل بقوله : كل رجل وضيعته ، وأنت أعلم ومالك. فإن هذا ، ونحوه : الواو فيها بمعنى (مع) والاسم غير منصوب. فثبت قول سيبويه (١). وإنّ الاسم منصوب بالفعل الواقع قبله بتقوية الواو. وإنما نصب الاسم في قولك : قمت وزيدا ، ولم يرفع بالحمل على التاء. لأن التاء فاعل. وقد جرى من الفعل مجرى أحد أجزائه ؛ فلم يحسن العطف عليه ، كما لا يحسن العطف على نفس الفعل ؛ ولأنه لو عطف على الأول بالواو لم يفهم منه من معنى المصاحبة ما فهم منه الآن. لأن الواو للشركة ، والجمع دون القران. فقولك : قمت وزيدا يراد منه المصاحبة والقران. وكذلك : جاء البرد والطيالسة ، يراد : القران والمصاحبة ، دون محضية الجمع.
وقولهم : استوى الماء والخشبة : يراد منهما تساويهما ، دون الجمع والشركة المجردة من القران.
وكذلك ما زلت أسير والنيل ، على هذا.
فإن قلت : فإنّ (استوى) يقتضي فاعلين. كقولك استوى زيد وعمرو ، وليس في قولك : استوى الماء والخشبة ، فاعلان ، فإنّ استوى قد جاء ، ولا يكون مسندا إلى فاعلين. قال الله تعالى (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥) (٢) وقال (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) (٣) ولا أجعل الواو ، في قوله : (وهو) عطفا على الضمير في (استوى) لأنه لم يؤكده ، ولم يقل (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) (٦) هو ، حتى يجيء : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) على أنّ قولهم : استوى الماء والخشبة محمول على المعنى من تساويهما ، كما قالوا : حسبك ينم الناس. فجزموا (ينم) لما كان (حسبك) بمعنى : اكتف. فكذا ، هاهنا.
وقد جاء المفعول معه في أشياء غير هذا. قالوا [٧٢ / أ] ما شأنك وزيدا ؛ أي مع زيد. أي ، ما شأنك مع زيد على تقدير : ما شأنك ملابسا زيدا ؛ فهو منصوب بمضمر. وقالوا : ما أنت وزيدا ؛ أي : مع زيد. و : كيف أنت وزيدا. قال (٤) : لأن التقدير : ما كنت وزيدا ، وكيف كنت وزيدا ؛ فكثر استعمال (كان) هناك فأضمروه. [قال الشاعر]
١٨٠ ـ فما أنا ، والسير في متلف |
|
يبرّح بالذكر الضابط (٥) |
وإنما نصب : ما شأنك وزيدا ، لأنك لو عطفت ، وجررت ؛ كنت عطفت المظهر على
__________________
(١) الكتاب ١ : ٣٩٣. ونصبه" قولك : كل رجل ، وضيعته ، (الواو) في معنى : مع".
(٢) ٢٠ : سورة طه ٥.
(٣) ٥٣ : سورة النجم ٦ ، ٧.
(٤) يعني : سيبويه. الكتاب ١ : ٣٠٢ ، ٣٠٣.
(٥) البيت من المتقارب ، لأسامة بن الحارث ، الهذلي ، في ديوان الهذليين ٢ : ١٩٥ ، والتحصيل ١٩٦ ، وابن يعيش ٢ : ٥٢ ، واللسان (عبر) ٤ : ٥٣٢.