يجتمعان. قال الله تعالى : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ)(١) ثم قال (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ،) من أجلها ؛ فاكتفى بالواو ، وليس في قوله : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) ما يعود إلى ما قبله ، وما جاء مكتفى فيه بالضمير.
[قال الشاعر]
١٨٢ ـ نصف النهار ، الماء غامره |
|
ورفيقه بالغيب ما يدري (٢) |
ولم يقل : والماء غامره. فاكتفى بالضمير. فأما قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ)(٣) فقوله : (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ :) لا يخلو إما إن يكون صفة [٧٣ / ب] لثلاثة ، أو يكون حالا ، أو يكون في تقدير العطف. كما تكون الجمل بعضها معطوفة على بعض. فلا يكون قوله (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) صفة لثلاثة لأن (رابِعُهُمْ) اسم الفاعل ، وهو بمعنى الماضي. وإذا كان كذلك ، لم يجز أن يرفع (كَلْبُهُمْ) وإنما يكون رافعا له إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال. ولا يجوز أن تكون الجملة حالا ؛ لأنه لا عامل فيه. فإن قيل : فقدّر : سيقولون هؤلاء ثلاثة ، وأعمل معنى هؤلاء في الحال.
[قلت] : ذلك لا يجوز ؛ لأن (هؤلاء) إشارة إلى من بحضرتك. وقوله : (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ :) بمعنى الماضي ؛ فلا تصح الإشارة إليه فلا يجوز إذن ، كونه حالا ، ولا وصفا. فإذن يكون التقدير : سيقولون ثلاثة ورابعهم كلبهم. فحذف العاطفة ، لظهورها في قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فالواو للعطف ، وقد ظهرت هناك ، وأضمرت فيما قبل.
ومن قال : إنّ الواو (واو الثمانية) واحتج بقوله (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ)(٤) وقوله : (وَأَبْكاراً)(٥) وقوله (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها)(٦) : فليس للثمانية اختصاص بالواو ، وليس للسبعة ، ولا للستة. فالواو تظهر ، وتضمر ، كما أنّ الفعل يظهر ويضمر.
وقولي : أن يكون منتقلا في غالب الأحوال. هذا ؛ لأن الحال قد يجيء لازما ويكون للتأكيد. كقوله تعالى (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً)(٧) ف (مصدقا) حال. وليس مما ينتقل ؛ إذ التصديق من لوازم الحق. وهذا بالقياس إلى المنتقل قليل. وقوله : ينبغي أن يكون صاحبها معرفة ؛ لأن الحال ؛ لا يجيء من النكرة ؛ إذ لا فائدة فيه ؛ إلّا في قليل من الكلام. وذلك إذا تقدّمت صفة النكرة على النكرة ، انتصب على الحال. كقولك : هذا رجل مقبل. ف (مقبل) : صفة رجل. ثم تقول : هذا ، مقبلا ، رجل [قال الشاعر]
١٨٣ ـ وفي الأرض ، مبثوثا ، شجاع ، |
|
وعقرب ... (٨) |
__________________
(١) ٣ سورة آل عمران ١٥٤
(٢) من مرفل الكامل ، نسب للأعشى ، وليس في ديوانه ، وهو بهذه النسبة في : الخزانة ٣ : ٢٣٣ ، ٢٣٥ ٢٣٦.
(٣) ١٨ : سورة الكهف ٢٢.
(٤) ٩ : سورة التوبة ١١٢.
(٥) ٦٦ : سورة التحريم ٥.
(٦) ٣٩ : سورة الزمر ٧٣.
(٧) ٢ : سورة البقرة ٩١.
(٨) عجز بيت من الطويل ، سبق ذكره رقم (٨٢)