وقال الثمانيني : فأما (كيف) فالذي يدل على كونها اسما أن (قطربا) حكى عن بعض العرب أنه أدخل حرف الجر عليها ، فقال : (أنظر إلى كيف يصنع) ، وحكى (الأخفش) : أن قوما من العرب يقولون : (على كيف تبيع الأحمرين) (١)؟ فيدخلون عليها حرف الجر ، وهذا دليل من طريق السماع ، فأما طريق القياس ، فالذي يدل على أنها اسم أنها تجاب بالاسم ، إذا قيل : كيف زيد؟ قيل (صالح ، أو مريض) : والاسم لا يكون إلا جوابا لاسم ، وانك تبدل منها الاسم ، تقول : (كيف زيد : أخارج أم مقيم)؟ والاسم لا يبدل إلا من الاسم ، وإنها سؤال عن حال ، والحال لا تكون إلا اسما ؛ فإذا وجدت الجمل ، في مواضع الحال ؛ فذلك مجاز وليس بحقيقة.
والذي يدل على أن (كيف) اسم أنك تقول : (كيف زيد)؟ فيكون كلاما مستقلا.
ولا تخلو أن تكون حرفا أو اسما أو فعلا ، فلا يجوز أن تكون حرفا ؛ لأن الحرف مع الاسم لا يفيد إلا في النداء ، وهذا ليس بنداء ، ولا يجوز أن تكون فعلا ، لأنها ليست مشتقة من مصدر ، ولا تدل على زمان مخصوص ، وأيضا فإنه ليس في الأفعال الثلاثية ما يسكن وسطه سكونا لازما (٢). وبهذا نستطيع أن نقول : إن الثمانيني يستند إلى دليل السماع بقوة ، ثم يلجأ إلى القياس ، وهو الدليل الثاني عند أهل هذه الصناعة ، فالثمانيني باحث مؤصل يعتمد على الدليل القولي ، والحجة اللغوية ، ولا يخلي بعد ذلك كلامه من العلة.
أما ابن برهان ، فباحث منطقي معلل.
والثاني : صعب معقد ، يلفه الغموض ، لما فيه من الافتراضات ، وأنقل مثالا على ذلك ، قوله في النسب إلى الممدود ، قال (٣) : ((ولما استوى في الحذف في التاء الجمع والنسب ، استويا في القلب ، فقالوا : حمراوات وحمراوي ، ولأن الاسم كان ينصرف في حال إفراده فتدخله الحركات الثلاث ثم لزم حركة واحدة بعد دخول علامتي التثنية والنسب ، فإن قال : وما الفرق بينهما وبين التاء حتى حذفت في النسب؟ قيل له : إن التاء تشبه ياءي النسب في : زنج وزنجي ، وتمرة ، وتمر ، فكان اجتماعهما لذلك كاجتماع حرفي معنى ، وأيضا فالذي اقتضى حذفهما في (مسلمات) يقتضي حذفهما هنا ، والذي اقتضى (حمراوات) اقتضى (حمراوي).
فإن قال : هلا أبدلت التاء؟
قيل له : لم يستمر بدلها في شيء وصلا كما استمر ذلك في الهمزة.
فإن قيل : وما الفرق بينهما وبين الألف في : حبارى وقرقرى؟
قيل له : قال سيبويه : لا تحذف ؛ لأنه لما تحرك آخر الاسم ، وكان حيا يدخله الرفع والنصب
__________________
(١) الأحمران : قيل : اللحم والخمر ، أو : الذهب والزعفران ، التاج (حمر) ١١ : ٧٤ ، ٧٥.
(٢) الفوائد والقواعد ٦.
(٣) شرح اللمع لابن برهان ٢ : ٦٢٧ ، ٦٢٨.