زبدا. لما أضفت المثل إلى الهاء ، لم يمكنك أضافته ثانيا ، فنصبته على التمييز ، لأن المضاف إليه قائم مقام التنوين. فكما كان في : ضارب زيدا ، وعشرين رجلا ، كان الاسم منصوبا ، فكذا ها هنا.
ومن المنصوب على التمييز ، قولهم : مررت برجل حسن وجها ، لما كان في (حسن) ضمير يعود إلى رجل. وكان (حسن) مبهما ، نصبته على التمييز ، لأنه يفسره. فإذا قلت : مررت برجل حسن الوجه ، لم يكن تمييزا ، بل كان على التشبيه بالمفعول به ، لأن المعرفة لا يكون تمييزا.
ومن المنصوب على التمييز : هو أحسن منك أبا ، وأكثر الناس مالا ، وأنظف منك ثوبا.
فتنصب هذا كلّه على التمييز ، للفصل بين الاسم الأول ، والثاني ب (منك) ، و (بالمضاف إليه).
ويجوز : هو أحسن أبا منك ، فتؤخر الفصل. والنية به التقديم. كما أنك إذا قلت : ضرب غلامه زيد ، كان في اللفظ مقدما وفي المعنى مؤخرا وإذا قلت : هو أفره عبد ، وأنظف ثوب لم يكن معناه معنى قولك : هو أنظف منك ثوبا ، وأفره منك عبدا. لأنه في الأول بعض ما أضيف إليه ، لأن (أفعل) أبدا ، إذا كان مضافا ، كان بعض المضاف إليه ، بخلاف الثاني. لأن الثاني فيه المنصوب غير الأول ، وليس هو ببعض منه. ألا ترى أنك إذا قلت : هو أنظف منك ثوبا ، ففي (أنظف) ضمير يعود إلى ما يعود إليه هو ، وهو الرجل. فكأنك قلت : الرجل أنظف منك. ثم بينت أن النظافة فيه من جهة الثوب. وذلك ، لأن هذه الأشياء ، في الأصل ، كانت لهذه المنصوبات ، فنقلت عنها إلى من كانوا بأسباب منها ، كما تقدم في قولنا : طاب زيد نفسا. وقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً.) فإذن : أنظف [٧٧ / ب] منك ثوبا ، وأفره منك عبدا ، بخلاف قولنا في المعنى : أفره عبد ، وأنظف ثوب.
إذ قولك : ثوبك أنظف ثوب ، وعبدك أفره عبد ، المضاف بعض المضاف إليه. وهذا لا إشكال فيه. ولهذا قالوا ، يجوز : زيد أفضل الإخوة. ولا يجوز : زيد أفضل إخوته. لأنك ، إذا قلت : زيد أفضل الإخوة ، فإنه بعضهم ، فيجوز أن تضيف إليهم. ولا يجوز : زيد أفضل إخوته ، لأنه خارج منهم. ويوضح هذا أنك ، إذا قلت : من الإخوة؟. قلت : زيد ، وعمرو ، وبكر ، فتعده منهم. وإذا قلت : من إخوة زيد؟. قلت : بكر ، وخالد ، وعمرو ، ولا تذكر زيدا. فعلمت أنه خارج منهم.
واعلم ، أنك ، إذا قلت : طاب زيد نفسا ، وامتلأ الحوض ماءا [ف](١) لا يجوز أن تقول : نفسا طاب زيد. ولا : ماءا امتلأ الحوض ، عندنا. ويجيزه : المازني ، والمبرد. ويحتجان [بقول الشاعر] :
١٨٩ ـ أتهجر ليلى بالفراق ، حبيبها |
|
وما كان (نفسا) بالفراق تطيب (٢) |
فقدم المنصوب. والتقدير : وما كان تطيب نفسا. ونحن نرويه :
__________________
(١) إضافة يتطلبها السياق.
(٢) البيت من الطويل للمخبل السعدي في : (المخبل السعدي : حياته وما تبقى من شعره) ـ ضمن (مجلة المورد / المجلد الثاني / العدد (١) ص ١٢٤ لسنة ١٣٩٣ ه ـ ١٩٧٣ م) ، والخصائص ٢ : ٣٨٤ ، واللسان (حبب) ١ : ٣٩٠ ، كما نسب لأعشى همدان ، ولمجنون ليلى ، وهو بهذه النسب المختلفة وبلا نسبة في المقتضب ٣ : ٣٧ ، والإنصاف ٢ : ٨٢٨.