زيد ، كما تعدّيه الباء ، في (مررت بزيد).
وقال المبرد (١) : إنّ زيدا منصوب ب (إلا) ، لأن (إلا) يدل على (أستثني) فأعمل (استثني) الذي دل عليه (إلا). وهذا غلط منه. لأنه لو كان يصح هذا ، لوجب أن يقال : ما زيدا قائما ، فينصب زيد ، لأن (ما) ، يدل على (أنفي). وهل زيدا قائما ، لأن (هل) يدل على (أستفهم) فهذه الحروف غير معملة بتة.
[فإن قلت] : فإنّا قد وجدنا من هذه الحروف ، ما أعملت ، وذلك [كقول الشاعر] :
١٩٥ ـ كأنه ، خارجا ، من جنب صفحته |
|
سفود نشوى نسوه عند مفتأد (٢) |
فأعمل (كأن) في (خارج) ، فكذا يجوز أن يعمل (إلا) فيما بعده.
[الجواب] : (إلا) لا يشبه ب (كأن) ، لأن (كأن) ، لما كان على لفظ الفعل ، وكان دالّا على التشبيه ، اجتمع فيه وجهان من مشابهة الفعل ، فجاز أن يعمل. وليس في (إلا) إلا وجه واحد.
ويجوز أن يقوى الشيء بجهتين ، ولا يقوى بجهة واحدة ، كباب ما لا ينصرف. [فإن قلت] : فقد حكى (٣) : ألا ماءا باردا فأشربه ، بنصب ماء. وأعمل فيه معنى (ألا من) معنى التمنّي.
[الجواب] : هذا محمول على فعل مضمر. وليس (ألا) عاملا فيه. والذي يبعد قول المبرد قولهم : جاء القوم غير زيد ، بنصب (غير) وليس هناك إلا الفعل ، فثبت أنه مع (إلا) يعمل الفعل كما يعمل مع غيره.
والضرب الثاني : الاستثناء من النفي ، وهو على ضربين : أحدهما : أن يكون بعد تمام الكلام.
والآخر : أن يكون قبل تمام الكلام. فإن كان بعد تمام الكلام ، فهو على ضربين : أحدهما : أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه.
والآخر : أن يكون من غير جنسه. فإن كان من جنسه ، فالاختيار : أن يكون المستثنى بدلا من المستثنى منه. [٧٩ / ب] تقول : ما مررت بالقوم إلا زيد. و : ما جاءني القوم إلا زيد ، تجر (زيدا) وترفع ، لأنه بدل مما قبله. ويجوز فيه النصب ، وإن لم يكن مختارا. تقول : ما قام القوم إلا زيدا. قال الله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ)(٤) ، بالرفع (٥) ، والنصب. فالرفع : على أن يكون بدلا من أحد. والنصب : على أصل الباب. أو يكون استثناءا من موجب ، وهو قوله : (فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك).
__________________
(١) المقتضب ٤ : ٣٩٠.
(٢) البيت من البسيط ، للنابغة الذبياني ، في : ديوانه ١١ ، والخصائص ٢ : ٢٧٥ ، ومقاييس اللغة (سفد) ٣ : ٨٢ ، والمشكل ١ : ٤٨٠ ، واللسان (فاد) ٣ : ٣٢٨ (عجزه) ، والخزانة ٣ : ١٨٥ ، ١٨٧.
وبلا نسبة في : المقتصد ١ : ٤٥٢.
(٣) أي : المبرد.
(٤) ١١ : سورة هود ٨١.
(٥) وبها قرأ : ابن كثير ، وأبو عمرو. إعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ١٠٥ ، ومجمع البيان ٥ : ١٨١ ، وتفسير القرطبي ٩ : ٨٠ ، وتفسير الرازي ١٨ : ٣٧.