الموصوف ، على سبيل الثناء ، والمدح ، والتعظيم ، لا على جهة التخصيص ، ولا على جهة التحلية.
والصفة تتبع الموصوف في عشرة أشياء : في الرفع ، والنصب ، والجر ، والتوحيد ، والتثنية ، والجمع ، والتعريف ، والتنكير ، والتذكير ، والتأنيث. فالمعرفة لا توصف بالنكرة ، والنكرة لا توصف بالمعرفة. لأن الصفة جزء من الموصوف. ومن المحال أن يكون الاسم الواحد في حالة واحدة : معرفة ، ونكرة ، لأن الضدين لا يجتمعان.
واختلفوا في العامل في الصفة. فقال سيبويه (١) : العامل في الصفة : هو العامل في الموصوف.
وزعم الأخفش : أن العامل في الصفة : كونه تابعا للموصوف. فالتبعية : هي العاملة ، وإن كانت معنوية. واحتج في ذلك : بأن هذا ، أعني التبعية ، مؤكدة ، في هذا الباب. لأنه جاء في التوابع ، ما لا يلي العامل ، وذلك ، نحو : أجمعين ، وأكتعين. فلا يجوز : جاءني أجمعون ، فتوليه العامل. فعلم أنّ إعرابه ، إنما هو : لكونه تبعا. ويحتج ، أيضا ، بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ)(٢). [٩٦ / ب] أن الموت : اسم (إنّ). و (الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) : صفة له. وقوله : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) : هو الخبر. والفاء : زائدة. ولا أجعل الفاء غير زائدة ، احتجاجا ب (أنّ) الذي ، لما جرى وصفا على الموت ، صار كالجزء منه ، وصار كأنه اسم (إنّ). فجاءت الفاء ، لأن الاسم تضمن معنى الشرط ، والجزاء ، كأنه قال : (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ). هذا لا يجوز ، بتة ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى. أما من جهة اللفظ ، فإن الجزء الذي هو الشرط لازم لترتيب الجزاء عليه. والوصف غير لازم للموصوف ، لأن الاسم يجوز أن يوصف ، ويجوز أن لا يوصف. فإذا لم يلزم الوصف الاسم ، لم يلزم إدخال الفاء ، في خبر الاسم ، لأن وصفه بما يوجب إدخال الفاء غير لازم ، بخلاف الشرط. وأما من جهة المعنى ، فإن ما كان شرطا ، يجوز أن يكون ، ويجوز أن لا يكون. والموت لاق : فروا أو لم يفروا. فإن ، الفاء لم يلحق لمعنى الجزاء ، ولا لمعنى العطف ، فثبت أنها زائدة.
وأما سيبويه ، فإنه يجعل العامل في الصفة ، هو العامل في الموصوف. ويحتج بالآية (٣). لأن الفاء دخلت ، لمّا جرى الموصول على اسم (إنّ) فصار الموصول كأنه هو الاسم. لأن الصفة كالجزء من الموصوف ، ولهذا يعتبر فيه التعريف ، والتنكير ، كما يعتبر في الموصوف. والجزاء صالح في الآية ، رادا على من اعتقد أنّ فراره من الموت ينجيه. فقال : إنه لاق ، وإن فررتم. وهذا [قول الشاعر] :
٢٤٤ ـ ومن هاب أسباب المنيّة ، يلقها |
|
ولو رام أسباب السّماء بسلّم (٤) |
__________________
(١) الكتاب ١ : ٤٢١ ، وقد ذكر الشارح قول سيبويه بالمعنى ، ونصه : " فقولك : مررت برجل ظريف قبل ، فصار النعت مجرورا مثل المنعوت ، لأنهما كالاسم الواحد".
(٢) ٦٢ : سورة الجمعة ٨.
(٣) يعني آية : (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) ٦٢ : سورة الجمعة ٨.
(٤) البيت من الطويل ، لزهير بن أبي سلمى ، في : ديوانه ٢٣ ، والخصائص ٣ : ٣٢٤ ، واللسان (سبب) ١ : ٤٥٨.