فالفاء هو على جهة الشرط ، والجزاء. وليس لك في الآية حجة ، يا أبا الحسن (١). وأما أجمعون ، فإنه لم يل العامل ، لأنهم لم يستعملوه. والقياس لا يمنع من ذلك. فهذا بمنزلة الأمثال التي تحكى ، ولا تغير ، من جهة السماع.
[قال أبو الفتح] : ولا تكون الصفة إلا من فعل ، أو راجع إلى معنى الفعل. فالذي من الفعل ، كقولك : مررت بزيد الظريف. فالظريف : مشتق من (ظرف). والذي هو راجع إلى معنى الفعل ، [٩٧ / أ] قولك : مررت برجل أبي عشرة. فقولك : أبو عشرة : راجع إلى معنى الفعل. كأنك قلت : مررت برجل والد عشرة. وكذلك : مررت برجل خزّ صفة سرجه. أي ليّن صفة سرجه. وإذا ذكرت موصوفا ، وأتبعته صفات شتى ، فلك أن تتبعها الموصوف ، وأن تقطعها منه. كقولك : مررت بزيد الأديب الفاضل الكريم ، لك : الجر ، على الإتباع ، والنصب على المدح. على تقدير : أمدح وأخص. والرفع على المدح ، على تقدير : هو الأديب الفاضل. [قال الشاعر] :
٢٤٥ ـ لا يبعدن قومي الذين هم |
|
سمّ العداة ، وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطيّبون ، معاقد الأزر (٢) |
لك رفع (النازلين) و (الطيبين) : على الإتباع ، ونصبهما : على المدح. ورفع الأول ، ونصب الثاني ، ونصب الأول ، ورفع الثاني ، كما بينا. وقد جاء : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ)(٣) إلى أن قال : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) فنصب على المدح. ثم قال : (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) فرفع على المدح.
وجاء : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ)(٤) إلى قوله : (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ) فرفع على المدح. ثم قال : (وَالصَّابِرِينَ) فنصب على المدح. وإن قلت : إنّ رفع قوله : (وَالْمُوفُونَ) بالعطف على : (مَنْ آمَنَ) فليس في : (الصابرين) إلا النصب على المدح. وإن زعمت أنّ : (الصابرين) ، عطف على المنصوب ، وهو : (ذَوِي الْقُرْبى) ، فقد أفسدنا ذلك فيما تقدم ، وسنفسده في باب الموصول ، إن شاء الله.
[قال أبو الفتح] : والأسماء المضمرة لا توصف (٥) ، لأنها إذا أضمرت ، فقد عرّفت ، ولم تحتج إلى الوصف لذلك. هذا كما قال (٦) : لو قلت : مررت به المسكين ، وجعلت المسكين صفة للهاء ، لم يجز ، لأن الهاء ، في غاية الإيضاح ، والبيان ، فلو احتاج إلى الوصف ، لكان إظهاره أولى من إضماره. [فإن قلت] : فقد جاء : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٧). فجعل (العزيز الحكيم) وصفا ل (هو). [قلت ليس] بوصف ، لأنه يمكن أن يكون بدلا من (هو) أو خبر مبتدأ. فلا احتجاج
__________________
(١) أي : الأخفش.
(٢) البيتان من مرفل الكامل ، للخرنق بنت هفان ، في : ديوانها ٢٩ ، والكتاب ١ : ٢٠٢ ، ٢ : ٥٧ ، ٥٨ ، ٦٤ ، والإنصاف ٢ : ٤٦٨ ، والأشموني ٤ : ٣١٩ ، والخزانة ٥ : ٤١ ، ٤٢ ، ٤٤. وبلا نسبة في : معاني القرآن ـ للفراء ١ : ١٠٥.
(٣) ٤ : سورة النساء ١٦٢.
(٤) ٢ : سورة البقرة ١٧٧.
(٥) الكتاب ٢ : ١١.
(٦) أي : سيبويه. الكتاب ٢ : ٧٦.
(٧) ٣ : سورة آل عمران ٦.