الجار. والفراء يجيز ذلك ، ويحتج بقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(١) ... الآية. إلى قوله : (والمسجد الحرام). فقوله : (والمسجد الحرام) : مجرور بالعطف على الهاء ، من قوله : (وكفر به).
ولم يقل : وبالمسجد. قال : فقتال فيه : مبتدأ. وصد : عطف عليه. وكفر : عطف عليه. والتقدير : وصد عن سبيل الله كبير ، وكفر به ، وبالمسجد الحرام كبير ، فأضمر. وروي عنه ، أن قوله : قتال فيه : مبتدأ ، وخبره : كبير. وصد عن سبيل الله : عطف على كبير. وكفر به كذلك. والتقدير عنده : قتال فيه كبير ، وصد ، وكفر. أي : القتال في المسجد الحرام ، قد جمع هذه الأشياء (٢).
فأما العطف على الهاء المجرور ، فغير جائز ، لوجوه ، منها : أن [١٠٩ / ب] المضمر المجرور ، لا يعطف على المظهر المجرور ، إلا بإعادة الجار. لا تقول : مررت بزيد ، و (ك) حتى تقول : وبك.
وكذلك ، لا تقول : مررت بك ، وزيد ، حتى تقول : وبزيد. وقال أبو علي ، قولهم : مررت به ، وبك ، هذه المجرورات تشبه التنوين ، من حيث إنها لا تنفصل عن الجار ، كما أن التنوين لا ينفصل عن الاسم ، ومن حيث إنك تقول : يا غلام ، فتحذف الياء ، كما تحذف التنوين. فلما أشبهها ، وجب أن لا يعطف على التنوين ، من حيث إن العطف ، يقتضي المشاكلة ، والمطابقة ، وإن الثاني واقع موقع الأول الذي هو معطوف عليه. فلما جرى المضمر في هذا مجرى التنوين ، لم يستجز ، عطف الاسم عليه ، لأن الاسم لا يعطف على الحرف ، فكذا لا يعطف على ما يشاكل الحرف.
وإذا استقبح : قمت وزيد ، حتى يؤكد ، كراهة عطف الاسم ، على الفعل ، فكذا هاهنا.
[فإن قلت] : فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز : مررت بزيد وعمرو ، فتعطف المظهر على المظهر ، لأن المظهر المجرور ، هاهنا ، بمنزلة المضمر المجرور.
[الجواب] : المظهر يخالف المضمر ، من حيث إنه اسم يمكن انفصاله عن الجار ، في نحو [قوله] :
٢٧٥ ـ ... |
|
... قرع القسيّ ، الكنائن (٣) |
و :
٢٧٦ ـ ... |
|
زجّ القلوص ، أبي مزادة (٤) |
و : (قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ)(٥) و : (مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ)(٦).
وإذا كان كذلك ، فقوله : (والمسجد الحرام) : مجرور ، بالعطف على : سبيل الله ، أي : وصدّ
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ٢١٧.
(٢) معاني القرآن ـ للفراء ١ : ١٤١.
(٣) البيت من الطويل ، للطرماح ، وتمامه :
يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع |
|
بواديه من قرع القسيّ ، الكنائن |
وهو ، في : ديوانه ٤٨٦ ، واللسان (جوز) ٥ : ٣٤١.
وبلا نسبة ، في : الخصائص ٢ : ٤٠٦ ، والإنصاف ٢ : ٤٢٩.
(٤) عجز بيت من مجزوء الكامل ، سبق ذكره رقم (١٧)
(٥) ٦ : سورة الأنعام ١٣٧. ينظر : ص ٢٢٤ ، هامش (٣)
(٦) ١٤ : سورة إبراهيم ٤٧.