بالرفع (١) على أن يكون عطفا على الضمير الذي في الظرف ، وأنّ التقدير : النفس مأخوذة بالنفس ، [هي](٢) فعطف على الضمير ، ولم يؤكد. قال : وهذا مستحسن جدا. قال الله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا)(٣) ، فعطف (آباؤنا) على الضمير في (أشركنا) ولم يؤكد ، كما أكد في قوله : (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا)(٤).
[فإن قلت] : إن رفع قوله : (والعين بالعين) ، ليس كقوله : (ولا آباؤنا) ، لأنه قد طال الكلام ب (لا) فحسن ، كما حسن في قوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)(٥) ، فرفع (شركاؤكم (٦)) بالعطف على الضمير في (فأجمعوا) ، وليس كذلك (والعين بالعين).
[الجواب] : أن قوله : (ولا آباؤنا) ، إنما كان يكون مثل قوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) أن لو كانت (لا) قبل واو العطف ، كما أن المفعول في : (فأجمعوا أمركم) ، إنما قام مقام التأكيد ، لما [١٠٩ / أ] كان قبل واو العطف. فلما لم تكن (لا) ، قبل الواو ، جاز : قمنا وزيد ، بدلالة الآية.
فأما قول محمد (٧) ، رحمة الله عليه ، في قول من قال : أنت طالق ، إن دخلت الدار ، بل هذه : إنّ (هذه) تنعطف على (أنت) ، وإنّ التقدير : أنت طالق ، بل هذه ، إن دخلت الدار. ودخول المخاطبة الدار ، شرط لوقوع الطلاق عليهما. فإنه ، إنما استحسن هذا دون أن تكون (هذه) معطوفة ، على التاء المرفوعة ب (دخل) ، لأن قوله ، أنت : مبتدأ ، وهي عمدة الكلام ، ومقصود بالإخبار عنه.
وكان عطف (هذه) على (أنت) أولى من العطف ، على التاء ، لأن التاء متصل بفعل الشرط.
والشروط في الكلام ، جارية مجرى الظروف. فقوله : أنت طالق ، إن دخلت الدار ، تقديره : أنت طالق ، وقت دخول الدار. والظروف فضلة في الكلام ، فلم ير العطف على التاء المتصل ، بالفضلة.
وقول من قال : إنه ، إنما لم يعطف على التاء ، لأنه لا يستحسن : قمت وزيد ، فإنّ هذا القائل لم يعلم أنه يستحسن : قمت في الدار وزيد. فقوله : إن دخلت الدار ، بل هذه ، في قيام المفعول مقام الضمير ، في التأكيد ، كقوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) لا فرق بينهما. وكقوله : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٨). وكقوله : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ)(٩).
وأما المعطوف على المضمر المجرور ، في نحو : مررت به وزيد ، فعندنا لا يجوز إلا بإعادة
__________________
(١) وهما : الكسائي ، وأنس. السبعة ٢٤٤ ، وحجة القراءات ٢٢٦ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٤٩٩.
(٢) الأصل غير واضح.
(٣) ٦ : سورة الأنعام ١٤٨.
(٤) ١٦ : سورة النحل ٣٥.
(٥) ١٠ : سورة يونس ٧١.
(٦) وهي قراءة : أبي عمرو ، ويعقوب ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر ، وسلام. مختصر في شواذ القرآن ٥٧ ، وأعراب القرآن ـ للنحاس ٢ : ٦٦ ، والمحتسب ١ : ٣١٤ ، ومجمع البيان ٥ : ١٢٢ ، وتفسير القرطبي ٨ : ٣٦٢ ، والنشر ٢ : ٢٨٦.
(٧) هو : محمد بن الحسن ، فرقد بن أبى عبد الله ، الشيباني (ت ١٧٨ ه). صحب الإمام أبا حنيفة ، وأخذ العلم ، والفقه عنه ، ثم عن : أبي يوسف. صنف الكتب ، ونشر علم أبي حنيفة ، وروى الحديث. ومن روى عنه : الإمام الشافعي. ينظر : الجواهر المضيئة ٤٢ ـ ٤٤.
(٨) ٢ : سورة البقرة ٣٥.
(٩) ٥ : سورة المائدة ٢٤.