[قلت] : إنّ العامل في الأول هو العامل في الثاني ، ولا يقدر تكريره. وإنما الثاني تبع ، لأن العرب قد قالت : ربّ رجل ، وأخيه. وبالإجماع ، لا يجوز : ورب أخيه. وقالوا : كلّ شاة ، وسخلتها بدرهم ، ولا يقولون : وكل سخلتها. ويقولون : يا زيد ، والحارث ، ولا يجوز : ويا الحارث. فثبت صحة ما قلنا. ولأنك تقول : أقام زيد أم عمرو. ولو كان التقدير : أم قام عمرو لكانت (أم) منقطعة. وفي إجماع الناس ، قاطبة ، أن (أم) هاهنا ، متصلة ، وأنه بمعنى (أيّهما) دليل قاطع على أن الثاني تبع ، وأنّ العامل غير منويّ معه. وقولهم : ما زيد قائما ، ولا عمرو ذاهبا ، دليل قاطع على أن العامل غير منوي ، يدل على صحته أنهم يجيزون : ليس زيد ، ولا أخوه ذاهبين ، و : ما زيد ، ولا عمرو قائمين. ولا فرق بين المسألتين. فاعرفه. ولا تظنن أن مثل هذا الخلاف عار عن الفوائد ، بل تأمل في ذلك.
[قال أبو الفتح] : والاسم يعطف على الاسم ، إذا كان موافقا له في حاله. والفعل يعطف على الفعل ، إذا اتفقا في الزمان. تقول : قام زيد وعمرو ، ولا تقول : [١٠٨ / ب] مات زيد ، والشمس ، لأن الشمس لا يصح موتها. وتقول : جلس زيد ، وقام ، لأنهما متفقان في الزمان ، ولا تقول : قام زيد ، ويجلس ، لأنهما مختلفان في الزمان.
[فإن قلت] : فقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(١) ، فقوله : (ويصدّون) ، مضارع ، وقبله ماض. فلم جاز ذلك؟!
[الجواب] : أنّ هذا على حكاية الحال ، ومعناه : إن الذين كفروا ، وحالهم هذا. ثم إنا نقول : إن الزمان الذي ذكره أبو الفتح ، هو الأصل ، ولكنه يجوز وضع الماضي موضع المستقبل ووضع المستقبل موضع الماضي. قال الله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ)(٢). وقال : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ)(٣) ، ومعناه : قتلتم ، وقال : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٤) ، فيمن رفع. أي : حتى قال الرسول.
واعلم أن هذه الأشياء المرفوعة ، والمنصوبة ، والمجرورة ، في العطف ، على ما قبلها ، مختلفة.
فعطف المرفوع على المضمر المرفوع ، لا يستحسن [ما](٥) لم يؤكد. كقولك : قمت وزيد ، و : قم وزيد. حتى تقول : قم أنت ، وزيد ، و : قمت أنت ، وزيد. هذا مذهبهم.
ثم إنه (٦) جوّز ، في قوله تعالى : (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ)(٧) فيمن قرأ : (والعين) ،
__________________
(١) ٢٢ : سورة الحج ٢٥.
(٢) ٧ : سورة الأعراف ٤٤.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٩١.
(٤) ٢ : سورة البقرة ٢١٤. وقراءة الرفع ، قرأ بها : أهل الحرمين. أعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٢٥٥.
(٥) في الأصل : مهما.
(٦) أي : أبو علي ، إذ جوّز للرفع ثلاثة أوجه ، أحدها : ما ذكره الشارح ، والثاني : أن تكون الواو قد عطفت جملة على جملة ، والثالث : حمل الكلام على المعنى ، على موضع (إنّ النفس) ، لأن المعنى : قلنا لهم : النفس بالنفس. ينظر : مجمع البيان ٣ : ١٩٨ ، ١٩٩ ، وتفسير القرطبي ٦ : ١٩٣.
(٧) ٥ : سورة المائدة ٤٥.