تعرّف النكرة باللام ، كقوله في نسخة أخرى ، وعبرة النكرة باللام.
ثم [قال] : واعلم أن النكرة أصل المعرفة ، وبعضها أعم ، وأشيع من بعض. فأعم الأشياء ، وأبهما قولنا : شيء ، لأنه يقع على الموجود ، والمعدوم. قال الله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(١) ، فسماها شيئا ، وإن كانت معدومة.
هذا الكلام منه ، مراده به : الألفاظ الموضوعة المستعملة ، عند العرب ، ولا يمكن في هذا تحقيق ، إذ تسمية المعدوم بلفظ (شيء) حقيقة ، هو كتسمية الموجود ، فلا يمكن أن يجعل المعدوم كالموجود ، لأنهما ضدان. والمراد أن العرب تطلق لفظة (شيء) على معدوم ، لا بد من إتيانه ، ووقوعه تنزيلا له منزلة الموجود. لهذا قال ، عز من قائل : (شيء عظيم) ، لأن خبره صادق مصدوق ، لا يدخله ريب ، أي : القيامة ، وإن لم تشاهدوها الآن ، فحكمها [١١٠ / ب] حكم المشاهد. فهذا مساغ هذا الكلام. وإذا راجعت الحقيقة ، فالموجود أعم النكرات ، كما ذكر ، وهو حقيقة ، لأنه يطلق على القديم ، جل جلاله ، وعلى غيره ، ثم يليه المحدث ، لأنه يقع على العرض ، والجوهر ، ثم يليه الحيوان ، ثم الإنسان. وهذا في الحقيقة ، ليس من علم الصناعة في شيء. أعني صناعة العربية.
[قال أبو الفتح] : وأما المعرفة : فما خص الواحد من جنسه ، وهي خمسة أضرب .. إلى آخر الفصل.
بدأ بذكر المضمر ، لأنه أعرف المعارف ، من حيث إنه لا يوصف ، ولا يضاف ، كما يضاف غيره. وإذا كانوا قد حكموا في نحو قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)(٢)(ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا)(٣)(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا)(٤) ، على أن يكون (أن) هو الاسم ، دون المضاف ، والمعرّف باللام ، لأن (أن) لا يوصف. فهو أدخل في باب التعريف من غيره. فعلمت أن المضمر أعرف المعارف.
ثم قسم المضمر قسمين : منفصلا ، ومتصلا. فالمنفصل قسمان : مرفوع ، ومنصوب.
فالمرفوع للمتكلم (أنا) سواء كان ذكرا ، أو أنثى. وإنما استويا ، لأن الفرق إنما يحتاج إليه ، إذا لم يعرف أحد الاسمين من صاحبه. والمتكلم يعرف بكلامه : أذكر هو أم أنثى. وفي (أنا) لغتان في الوقف : أنه ، وأنا. وأنا أكثر ، أعني تبيين الحركة بالألف. وعلى هذا قراءة من قرأ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(٥)(لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٦). أصله : أنا ، فحذف الهمزة ، وأدغم النون في النون ، وأثبت الألف
__________________
(١) ٢٢ : سورة الحج ١.
(٢) ٢ : سورة البقرة ١٧٧.
(٣) ٤٥ : سورة الجاثية ٢٥.
(٤) ٣ : سورة آل عمران ١٤٧.
(٥) ٢ : سورة البقرة ٢٥٨. وهو نافع ، يثبت الألف بعد النون في الوصل إذا دخلت على الهمزة في جميع القرآن ، إلا في قوله تعالى في سورة الشعراء ، آية ١١٥ : (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥). فإنه : حذفها ، وقالون : أثبتها وصلا في آية الشعراء. السبعة ١٨٨ ، وأعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٢٨٤ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٦٦ ، والنشر ٢ : ٢٣١ ، وإتحاف الفضلاء ٣٣٣ ، وغيث النفع ٢٤٥.
(٦) ١٨ : سورة الكهف ٣٨.