فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ)(١). فجزم قوله : (ويكفّر) ؛ لأن قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) :) في موضع الجزم. وهذه الفاء ، إذا كانت في جواب الشرط ، ينبغي أن يكون بعدها جملة من مبتدأ وخبر. ويجوز إضمار المبتدأ ، وإظهاره. فالإضمار قوله : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٢) ؛ أي : فهو ينتقم منه. والإظهار [قولك](٣) : إن تأتني فزيد يقوم. لا بد من ذلك.
وقد يقع الشرط ، والجزاء بلفظ الماضي ، والمراد بهما : المستقبل. كقولك : إن قمت قمت.
والتقدير : إن تقم أقم ؛ لأن المعنى على المضي ، لا يصح ؛ إذ الشرط إنما يصح في المستقبل من حيث إنما يجيء فيما يكون على الغرر. فأما ما ثبت ، ومضى ؛ فالشرط لا يؤثر فيه. [١٢٨ / ب].
[فإن قلت] : فقد جاء في التنزيل : (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)(٤) ، وهذا ماض ، ولا يصح فيه الاستقبال ، ألا ترى ، إلى سياق الآية : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٥) ، يعني في الدنيا ، فيقول : إن كنت قلته في الدنيا ، فقد علمته ، قلنا ، [الجواب] : أنّ المعنى ، إن صح ، وثبت : أني كنت قلته ، فقد علمته ، فهذا أيضا يرجع إلى المستقبل من حيث الصحة ، والثبوت.
[قال أبو الفتح] : وقد حذف الشرط ، وأقيمت أشياء مقامه. وذلك في الأشياء التي ، إذا كان جوابها بالفاء ، كان منصوبا ، وهو : الأمر ، والنهي ، وأخواتهما. ألا ترى : أنك ، إذا قلت : اضرب أكرمك ، معناه : إن تضرب أكرمك ؛ فحذف الشرط ، وأقيم الأمر مقامه. وقد جاء في التنزيل ، في غير هذه الأشياء. قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (١٠) (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(٦) إلى أن قال : (يَغْفِرْ لَكُمْ) فجزم (يغفر) لأن قوله : (تؤمنون) ، في موضع : آمنوا ؛ كما يوضع الأمر مقام الخبر ، في نحو قوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ)(٧) ؛ أي : ما أبصره ، وأسمعه.
وذهب المبرد (٨) ، إلى أنّ قوله : (يغفر) جزم ، جواب (هل أدلّكم). وأخطأ ؛ لأن المغفرة ، لا تجب بالدلالة على الإسلام ؛ لأن المغفرة تجب بالإيمان ، لأن من دله الرسول على الإسلام ، غفر الله له. ألا ترى أنه [صلّى الله عليه وسلّم] قد دعا أبا جهل إلى الإسلام ، ودلّه عليه ، ومع ذلك ، فهو مؤبّد في النار. وإنما ذلك ، لمن آمن ، خاصة. أعني المغفرة.
ومما يدل على أن الشرط ، في هذه الأشياء ، مراد ، قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ)(٩) ، فنصب قوله : (فأصّدّق) ، لما كان فيه الفاء ؛ وجزم : (أكن) ، حملا على موضع الفاء ، كما ذكرنا في شرط
__________________
(١) ٢ : سورة البقرة ٢٧١.
(٢) ٥ : سورة المائدة ٩٥.
(٣) في الأصل (قوله) والصحيح ما أثبته ؛ لأن التمثيل ليس قرآنا.
(٤) ٥ : سورة المائدة ١١٦.
(٥) ٥ : سورة المائدة ١١٦.
(٦) ٦١ : سورة الصف ١٠ ، ١١.
(٧) ١٨ : سورة الكهف ٢٦.
(٨) المقتضب ٢ : ٨٢.
(٩) ٦٣ : سورة المنافقون ١٠.