أذهب. فاختلف الناس في جزم (أذهب) التي هي الجواب. فذهب سيبويه (١) إلى أنه منجزم ب (إن). وذهب المبرد (٢) ، إلى أنه منجزم ب (إن) مع الشرط. وذهب أبو عثمان (٣) إلى أن : الشرط ، والجزاء هما مبنيان على الوقف ؛ وليسا مجزومين ، وليس ل (إن) فيه تأثير. واحتج بأن الإعراب ، في هذه الأفعال ، عارض ، وليس بأصل ؛ وإنما يكون معربا ، إذا وقع موقع الأسماء. فأما إذا لم يكن للاسم ، هناك ، موقع ، ـ فلا يعرب الفعل إذ ذاك. وقد علمنا أنّ الاسم ، لا مجال له في باب الشرط ، والجزاء.
فأما المبرد ، فقد احتج : بأنّ الجزاء ، لا يجيء إلا بعد (أن) مع الشرط. ومن المحال أن يحال بجزمه على (إن) وحدها. فكيف يدّعى فيه ذلك؟!.
وأما سيبويه : فإنه يجزم الجواب بما يجزم به الشرط ، كما رفع الاسم [١٢٨ / ا] ب (كان) ونصب الخبر به ، ونصب الاسم ب (إنّ) ورفع الخبر به. وهذا ، لأن (إن) يعقد الجزاء بالشرط ، في المعنى. فوجب أن يكون للفظ فيه تأثير على ما كان من المعنى ؛ لأن الشيء ؛ إنما يعمل في الشيء على حسب معناه. و (إن) يقتضي الجزاء ، كما يقتضي الشرط ، فوجب أن يعمل فيه. والذي ذكره أبو عثمان ، باطل ، لما تقدم من أن الفعل المضارع ؛ إنما أعرب لمضارعته الاسم. وهذا الفعل فيه حرف المضارعة ، فوجب أن يكون معربا ، غير مبني. وأما المبرد ، فالذي ذكره ، لا يصح ؛ لأن الجمل لا تعمل في شيء ، وإنما العمل للحروف في الأصل.
[قال أبو الفتح] : وجواب الشرط ، على ضربين : فعل مضارع ، والفاء. فالفعل المضارع مجزوم ، كما تقدم. وأما الفاء ، فيكون مع ما بعده ، في موضع الجزم ؛ لكونه جوابا. قال الله تعالى :
(فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً)(٤). فقوله : (فَلا يَخافُ) في موضع الجزم. والتقدير : فهو لا يخاف. وقد قرئ : (فَلا يَخافُ)(٥) ، بالجزم ، وهو نهي الغائب ، وليس بجواب الشرط. والدليل على أنه في موضع الجزم ، قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ)(٦) ، في قراءة حمزة (٧).
فلو لا أن قوله : (فَلا هادِيَ) في موضع الجزم ، لم يجز : (وَيَذَرُهُمْ) ومثله ، قوله : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ
__________________
(١) الكتاب ٣ : ٦٢. وفيه : (واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال ، وينجزم الجواب بما قبله).
(٢) المقتضب ٢ : ٤٩.
(٣) الإنصاف (مسألة ٨٤) ٢ : ٦٠٢.
(٤) ٧٢ : سورة الجن ١٣.
(٥) وهي قراءة : يحيى بن وثاب ، والأعمش : وإبراهيم. مختصر في شواذ القرآن ١٦٣ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ٣ : ٥٢٤ ، وتفسير القرطبي ١٩ : ١٧.
(٦) ٧ : سورة الأعراف ١٨٦.
(٧) والكسائي ، وأبي عمرو فيما ذكر أبو حاتم ، وابن مصرف ، والأعمش ، وخلف. السبعة ٢٩٩ ، وإعراب القرآن ـ للنحاس ١ : ٦٥٤ ، والحجة ـ لابن خالويه ١٦٧ ، والكشف ـ للقيسي ١ : ٤٨٥ ، والتيسير ١١٥ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٠٥ ، وتفسير الرازي ١٦ : ٣٢٦ ، والتبيان ـ للعكبري ١ : ٢٩٠ ، وتفسير القرطبي ٧ : ٣٣٤ ، والبحر المحيط ٤ : ٤٣٣ ، والنشر ٢ : ٢٧٣.