أن الابتداء كما عمل في الاسم ، عمل في الخبر (١) ؛ لأن كل ما كان عاملا في الأول من هذا النحو ، عمل في الثاني ، ألا ترى أن قولك : ظننت زيدا قائما ؛ لما نصب (ظننت) الأول نصب الثاني.
وكذلك : إن زيدا قائم ؛ لما عمل (إن) في الأول عمل في الثاني ، وكذلك : كان زيد قائما ؛ لما عمل (كان) في الأول ، عمل في الثاني.
فكذا هاهنا.
فأما قولهم : لم يضرب زيد ؛ ف (لم) ليست من عوامل الأسماء ؛ وإنما هي من عوامل الأفعال ، وكان قبل دخولها (يضرب زيد) ؛ فعل وفاعل ، عمل الأول في الثاني ، فدخلت (لم) في الفعل ، وأدى ما اقتضاه فليس هو مما نحن فيه بشيء.
قال المبرد : لو كان العامل الابتداء ، لم يجز أن يدخل عليه عامل آخر ألا ترى أن (ظننت) لما كان عاملا ، لم يدخل عليه عامل آخر.
قلت : هذا لا يصح من أبي العباس ؛ لأنه سلم أن الابتداء عامل ، ولا يصح من غيره أيضا ؛ لأنا ذكرنا أن الابتداء عامل معنوي. فاذا جاء عامل لفظي تسلط عليه وكانت الغلبة له فاعرفه (٢).
وكتاب (الجواهر) لجامع العلوم ، وقد بناه على قواعد كلية في تسعين بابا ، كما يقول هو : ((أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمل ، وطول الإقامة على درسه)) (٣) ، تزدحم فيه أقوال النحويين وآراؤهم ، وتعظم عنده الفائدة ؛ إذ لا أظنك وقد سرحت نظرك في هذا الكتاب إلا أتممته ؛ لما يأخذك به من سحر نقاشه وجمال عبارته ، وطريف أسراره.
وها أنا أنقل من الباب الحادي والعشرين ، طرفا من ذلك (٤).
قال جامع العلوم : ((هذا باب ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف د ، وما يرتفع ما بعدهن بهن على الاتفاق (٥) ، وهو باب يغفل عنه كثير من الناس)).
فأما الذي اختلفوا فيه ، فكقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٦) ، : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ)(٧).
ف (عذاب) في هذا ونحوه ، يرتفع بالابتداء عند سيبويه.
والظرف قبله خبر عنه ، وهو (لهم).
وعند أبي الحسن والكسائي : يرتفع (عذاب) بقوله : (لهم) لأن (لهم) ناب عن الفعل.
ألا ترى أن التقدير : وثبت لهم. فحذف (ثبت) وقام (لهم) مقامه ، والعمل للظرف لا للفعل.
ومثله : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ)(٨). وهو على هذا الخلاف ، وغلط أبو إسحاق في هذا ، فقال :
__________________
(١) الكتاب ٢ : ١٢٦ ، ١٢٧ ، وقد ذكر جامع العلوم كلام سيبويه بالمعنى ، ينظر : شرح اللمع لجامع العلوم ٧٠.
(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ٧٠.
(٣) الجواهر ٣ : ١٠٩٢.
(٤) نفسه ٢ : ٥١١.
(٥) يعني : الخلاف والاتفاق بين النحويين.
(٦) ٢ : سورة البقرة ٧.
(٧) ٢ : سورة البقرة ٨.
(٨) ٢ : سورة البقرة ٧٨.