ارتفع (أميون) بفعل (١) ، كأن المعنى : واستقر منهم أميون.
قال أبو علي : ليس يرتفع (أميون) عند الأخفش بفعل ؛ إنما يرتفع بالظرف الذي هو (منهم) (٢).
ومذهب سيبويه أنه يرتفع بالابتداء ، ففي (منهم) عنده ضمير ، لقوله (أميون) وموضع (منهم) على مذهبه : رفع لوقوعه موقع خبر الابتداء.
وأما على مذهب الأخفش ، فلا ضمير لقوله (أميون) في (منهم) ولا موضع له عنده ، كما أنه لا موضع ل (ذهب) من قولك : ذهب فلان.
وإنما رفع الأخفش الاسم بالظرف في نحو هذا ؛ لأنه نظر إلى هذه الظروف فوجدها تجري مجرى الفعل في مواضع وهي أنها تحتمل الضمير ، كما يحتمله الفعل ، وما قام مقامه من أسماء الفاعلين ، وما شبه به.
ويؤيد جامع العلوم قول الأخفش هذا ، فيقول : ((والدليل على أن قولهم زيد في الدار ، في الظرف ضمير ، والظرف هو العامل في ذلك الضمير امتناع تقديم الحال عليه ، في قولك زيد قائما في الدار لأن العامل غير متصرف ، وهو الظرف دون الفعل ، ولا عبرة بالفعل ؛ لأنه يجوز : قائما في الدار زيد كما يجوز : قائما استقر زيد ، فعلم أنه لا عبرة بالفعل ؛ ولأنه قال : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ)(٣) و : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً)(٤) و : (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى)(٥). فأدخل (إنّ) على الظرف وهي لا تلي الفعل فثبت أنه لا عبرة بالفعل ، وهذه الآي دليل سيبويه (٦) من أنه لا يرتفع الاسم بالظرف حيث يقول الأخفش لأن الظرف دخل عليه (إن) فلو كان يرتفع كما يرتفع الفعل ، لم يدخل عليه (إن) كما لا يدخل على الفعل (٧).
وأقطف من باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين (٨) ، من نحو قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٩) و : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) (٣٣) (١٠) و : (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ)(١١).
قال جامع العلوم : ((قال سيبويه : وكل هذا التضعيف فيه عربي جيد)) (١٢).
__________________
(١) مجمع البيان ١ : ١٤٤. والذي فيه :((قال الزجاج : يرتفع (أميون) بالابتداء ، و (منهم) الخبر)). وينظر : شرح اللمع لجامع العلوم ١٢١.
(٢) مجمع البيان ١ : ١٤٤.
(٣) ٥ : سورة المائدة ٢٢.
(٤) ٢٤ : سورة النور ٤٤.
(٥) ١٦ : سورة النحل ٦٢.
(٦) الكتاب ١ : ٥٥. ولم تكن هذه الآي في كتاب سيبويه ، وإنما عنى جامع العلوم ، ما عبر عنه سيبويه في هذا المورد ، حيث قال : (وتقول .. ليس أحد فيها خير منك ، إذا جعلت (فيها) مستقرا ، ولم تجعله على قولك : فيها زيد قائم).
(٧) شرح اللمع لجامع العلوم ١٤١
(٨) الجواهر ٢ : ٥١٦.
(٩) نفسه ٣ : ٨٠. ٢ : سورة البقرة : ٢٥٩.
(١٠) ٧٥ : سورة القيامة ٣٣.
(١١) ٢ : سورة البقرة : ٢٨٢.
(١٢) الكتاب ٤ : ٤٢٤.