إذا قلت : تسنيت ، وأمللت ، وتسريت ، ((وقد جعل سيبويه الياء في (تسريت) بدلا من الراء ، وأصله : تسررت ، وهو من السرور ، فيما قاله الأخفش ؛ لأن السرية يسر بها صاحبها)).
وقال ابن السراج : ((هو عندي من (السر) ، لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا.
والأولى عندي أن يكون من (السر) الذي هو النكاح)) (١).
٣ ـ رد جامع العلوم على سابقيه آراءهم :
لقد كان جامع العلوم ، واسع الاطلاع في علوم شتى من علوم العربية ولا سيما علم النحو ، وقد أسلفنا وصف الشيخ الطبرسي ، معاصره إياه بأنه (واحد زماننا في هذا الفن) ، لذا كانت له جولات مع جميع النحويين الذين سبقوه ، وكان كثيرا ما يصف آراءهم بعدم الصحة ، والفساد ، والسهو ، والغلط ، إذ لم يسلم أحد منهم من هذه الأوصاف ، عدا سيبويه ، فقد كان ، فيما يبدو لي يجله ويكبره أيما إجلال.
وأنا إذ أورد بعض جولاته ، مع بعض النحويين ؛ فإنما أسوقها من باب ضرب المثل ؛ ذلك أن كتبه التي اطلعت عليها (٢) ، تحوي الكثير من تلك الردود والجولات ؛ أنتخب لك من كل ذلك هذه الشذرات.
أـ رده على أبي الفتح
عرف أبو الفتح (المفعول المطلق ، وهو المصدر) فقال : ((كل اسم دل على حدث ، وزمان مجهول)) (٣).
قال جامع العلوم : هذا كلام يخالف فيه كلام سائر البصريين (٤) ، وذلك ؛ لأنهم زعموا أن مدلول المصدر ؛ إنما هو الحدث ، فحسب ، والفعل ؛ إنما صيغ ليدل على الحدث والزمان جميعا ، فلو كان المصدر يدل عليهما لم يحتج إلى صيغ الأفعال.
وربما يقول أبو الفتح ، في جواب ذلك أن الفعل يدل على الحدث ، والزمان المخصوص ، والمصدر يدل على الحدث ، والزمان المجهول ؛ فيقال له : إن هذا الزمان المجهول ، لا ينفك عنه
__________________
(١) وإلى رأي جامع العلوم أذهب فقد ذكر جمع من المفسرين أن (سرا) في قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (٢ : سورة البقرة ٢٣٥) يعني النكاح. قال الزمخشري : والسر : وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء ؛ لأنه مما يسر.
وقال امرؤ القيس :
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت |
|
وأن لا يحسن السر أمثالي |
وقال الأعشى :
ولا تقربنّ جارة ، إن سرها |
|
عليك حرام ، فانكحن أو تأبدا |
ينظر : تفسير الزمخشري ١ : ٣٧٣ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٣٨ ، وتفسير القرطبي ٣ : ١٩٠ ، ١٩٢ وديوان أمرئ القيس ١٥٩ ، وديوان الأعشى ١٣٧.
(٢) وهي : الجواهر ، والكشف ، وشرح اللمع.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ١٤١.
(٤) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١ : ٢٣٥ ، ٢٣٧ ، والأشموني ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٦.