فإن قلت : فإنا قد وجدنا من هذه الحروف ، ما أعملت ، وذلك كقول الشاعر :
كأنه ، خارجا ، من جنب صفحته |
|
سفّود نشوى نسوه عند مفتاد (١) |
فأعمل (كأن) في (خارج) فكذا يجوز أن يعمل إلا فيما بعده.
الجواب : (إلا) لا يشبه ب (كأن) ؛ لأن (كأنّ) لما كان على لفظ الفعل ، وكان دالا على التشبيه ، اجتمع فيه وجهان من مشابهة الفعل ، فجاز أن يعمل وليس في (إلا) إلا وجه واحد.
ويجوز أن يقوى الشيء بجهتين ، ولا يقوى بجهة واحدة كباب (ما لا ينصرف).
فإن قلت : فقد حكى المبرد (٢) : ألا ماءا باردا فأشربه ، بنصب (ماء) وأعمل فيه معنى (ألا) من معنى التمني.
الجواب : هذا محمول على فعل مضمر ، وليس (ألا) عاملا فيه. والذي يبعد قول المبرد قولهم :
جاء القوم غير زيد ، بنصب (غير) ، وليس هناك إلا الفعل ؛ فثبت أنه مع (ألا) يعمل الفعل ، كما يعمل مع غيره.
ونحن إذ أوردنا هذه الردود ، من خلال هذه النصوص لجامع العلوم ، فلا بد لنا من وقفة نضع فيها بعض ما يأتي به في ميزان النقد والفحص ، لنتعرف حقه وتقدمه فيما يدعيه ويدلي به ، فنزن ونقوم ما يذهب إليه ، من خلال إيراد الأمثلة الآتية :
١ ـ مع أبي عمر الجرمي :
ذهب أبو عمر الجرمي إلى أن (المفعول له) لا يكون إلا نكرة (٣).
فرده جامع العلوم ؛ بأنه يكون نكرة ومعرفة.
واحتج على أبي عمر ، ونقض قوله بالشواهد الآتية :
أـ قال الله تعالى : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ)(٤). ف (حذر الموت) معرفة لأضافته.
ب ـ قال حاتم الطائي :
وأغفر عوراء الكريم ، ادخاره |
|
وأعرض عن شتم اللّيم تكرّما |
ف (ادخاره) مفعول له ، وهو معرفة لأضافته.
ج ـ ثم إن جامع العلوم ، لم يكتف بذلك ؛ بل أشكل على نفسه في أن يكون المصدر مضافا إضافة غير محضة. فهو مضاف ، ولكن في تقدير الانفصال ، كما هو في اسم الفاعل العامل ، نحو قوله تعالى : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا)(٥). ف (ممطر) مضاف ولكنه ليس بمعرفة ، لأن إضافته في تقدير الانفصال ، والتقدير : هذا عارض ممطر إيانا. ف (نا) مفعول به ل (ممطر).
ودفع جامع العلوم هذا الإشكال ، بأن هذا في اسم الفاعل جائز ؛ لأن اسم الفاعل ، دالا على
__________________
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٩٤.
(٢) نفسه ١٩٥.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٦.
(٤) ٢ : سورة البقرة ١٩.
(٥) ٤٦ : سورة الأحقاف ٢٤.