الأمر بالعكس نحو قست لم يقلبوا السين صادا لتقدم القاف عليه فهو محتمل. أعني السين بعد القاف لأنه تسفل بعد تصعد إذ تسفّل بالسين بعد ما كان متصعدا بالقاف فهو كصفاف وقفاف حين تسفل بعد ما تصعد وهذان نظيران في التقدم والتأخر حذو القذّة بالقذة.
وللقراء مذهب طويل في الإمالة فمنهم من يعتبر الكسرة وحدها في الكلمة ، ولا يبالي بالمستعلي وبالمفتوح من الراء والمضموم وهو مذهب قتيبة (١). ومنهم من يعتبر الراء المكسورة نحو الدّار والنّار والأنصار والأبصار. ومنهم من يعتبر تكرار الراء نحو الأبرار والأشرار ومنهم من يميل الكافرين ولا يميل أول كافر لمكان كسرة الفاء والراء في الكافرين ولزوم الياء ولم يوجد في كافر الياء ولم تلزم الحركة الحركة إذ هي للإعراب ولا يميلها إذا كانت الراء مضمومة بعد الفاء نحو قوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٢). ويغلّب الراء المضمومة على كسرة الفاء.
ومنهم من يميل (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ رَبَّنا)(٣) في الوصل ، ولا يميلها في الوقف لسقوط الكسرة منها في حالة الوقف ويميل (مِنْ أَنْصارٍ رَبَّنا) ولا يميل (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)(٤) لأن الإضافة في الكلمة غير لازمة.
وباب الإمالة طويل أكثر من أن يحيط به باب في النحو.
واعلم أن الحروف لا تمال لأنها جمدت عن التصرف الذي يكون في الأفعال وعن الإعراب الذي يكون في الأسماء والإمالة ضرب من التغيير فلما لم يلحق الحروف تغيير لم تلحقها الإمالة.
والعجلي (٥) عن حمزة ونصير (٦) وقتيبة عن الكسائي : أمالوا حتّى وليس بالقياس لأنه حرف ووجهه وقوع الألف رابعة ولأنهم وجدوها في الإمام (٧) مكتوبة بالياء. والحروف ليست موضع الإمالة ؛ إنما موضعها القبيلان فالفعل ممال ؛ لكونه متصرفا وإن وجد فيه [١٧٢ / ب] المستعلي نحو قضى لقوة التصرف فيه.
وهذه الأنواع التي عددتّها لك في أول الباب التي تجوّز الإمالة ، كلّها قرأ به القراء في
__________________
(١) هو قتيبة بن مهران ، أبو عبد الرحمن (توفي بعد المئتين للهجرة) أخذ القراءة عن الكسائي ، وسليمان بن مسلم بن جماز ، وإسماعيل بن جعفر ، روى عنه القراءة جماعة منهم : يونس بن حبيب ، وخلف بن هشام ينظر : غاية النهاية ٢ : ٢٦ ، ٢٧.
(٢) ٢ : سورة البقرة ٢٥٤.
(٣) ٢ : سورة البقرة ٢٧٠. وهم الكسائي ، وأبو عمرو وورش وابن ذكوان والصوري والدوري إتحاف الفضلاء ١٦٤ وغيث النفع ٧٤.
(٤) ٣ : سورة آل عمران ٥٢.
(٥) هو : عبد الله بن صالح ، العجلي الكوفي (ت ٢٢٠ ه) أخذ القراءة عن حمزة الزيات ، روى عنه القراءة جماعة منهم : ابنه أبو الحسن أحمد وأبو حمدان. ينظر : غاية النهاية ١ : ٤٢٣.
(٦) هو : نصير بن يوسف بن أبي نصر ، أبو المنذر الرازي ثم البغدادي النحوي (ت ٢٤٠ ه) أخذ القراءة عن الكسائي وأبي محمد اليزيدي روى عنه القراءة جماعة منهم : محمد بن عيسى الأصبهاني وداود بن سليمان وآخرون ينظر : غاية النهاية ٢ : ٣٤٠ ، ٣٤١.
(٧) يعني المصحف الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.