التنزيل. ألا ترى أنه قد جاء (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) (١) بالإمالة وليس فيها ما يجوزها لكن أمالها الكسائي لإمالة ما قبلها ، وهو (بَناها)(٢) و (فَسَوَّاها)(٣) وما بعدها من قوله عز وجل (وَمَرْعاها)(٤).
وأمال أيضا (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦) (٥) والألف فيه بدل من التنوين ؛ لأنه في موضع النصب ، على الحال. لكن هو ممال لما قبلها وما بعدها فهو كقولهم إذن عملت حسابي وقد أمالوا (يا) من قولهم يا زيد وإن كان حرفا لأنه نائب عن الفعل. وقد دللنا على ذلك فيما سلف (٦) وأمالوا بلى وإن كان حرفا لاستقلاله بنفسه ألا ترى أنك تقول للمخاطب أليس كذا؟
فيقول بلى فلا يحتاج إلى زيادة وهو مع ذلك ، فهو على ثلاثة أحرف فهو بخلاف (لا) لأن (لا على حرفين لا يجوز إمالته وإن وافق بلى في الجواب إذا قيل هل قمت فتقول لا.
وقالوا : إمّا لا فأمالوا (لا) في هذا الموضع لقيامه مقام الفعل وقد جاء ذلك في حديث مروي عن النبي عليه الصلاة والسّلام وهو حديثه عن زيد بن ثابت (٧) قال كان الناس على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتاعون الثمار فإذا أجذ الناس (٨) وحضر تقاضيهم قال البائع : إنه أصاب التّمر دمار أصابه قراض أصابه قشام عاهات يحتجون بها فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما كثرت الخصومة في ذلك (إما لا فلا تبتاعوا حتى يبدو صلاح التمر) (٩) كالمشورة يشير بها لكثرة خصومتهم.
والمحدثون يروونه : إمّا لي مكسورا وهو ممال وهذه الكلمة إنما تكون جوابا لمن يعدّ لك [أفعالا](١٠) فأنت تقول : إمّا لا [و](١١) إن كان كذا ، فلا تفعل.
وأمالوا (متى) وإن كان مشابها للحرف ، لأنه في الأصل اسم فغلبت عليه الاسمية والقياس أن لا يمال ما أشبه من الأسماء الحروف لكن جاءت متى [١٧٣ / أ] وذا وأنّى في حروف يسيرة.
واعلم أنهم قد أمالوا بعض الكلام على غير قياس مع أنه لم يوجد فيه سبب من الأسباب الموجبة للإمالة وهي الأسباب التي ذكرناها وتلك الأسماء ناس وقالوا العجّاج والحجّاج فأمالوها وإن لم يوجد فيها سبب موجب للإمالة وإنما كان كذلك لكثرة الاستعمال لا غير.
__________________
(١) ٧٩ : سورة النازعات ٣٠. ينظر النشر ٢ : ٣٧.
(٢) ٧٩ : سورة النازعات ٢٧.
(٣) ٧٩ : سورة النازعات ٢٨.
(٤) ٧٩ : سورة النازعات ٣١.
(٥) ٧٥ : سورة القيامة ٣٦. ينظر النشر ٢ : ٣٧.
(٦) باب النداء ص ٢٨٤.
(٧) هو كاتب الوحي (ت ٤٥ ه ، وقيل ٥١ ه وقيل ٥٥ ه) ، حدث عن النبي (ص) وعن صاحبيه وقرأ عليه القرآن وكان عمر بن الخطاب (رض) يستخلفه إذا حج على المدينة.
ينظر الطبقات الكبرى : ٣٥٨ ـ ٣٦٢ ، وسير أعلام النبلاء ٢ : ٤٢٦ ـ ٤٤١.
(٨) أجذ الناس دخلوا في وقت الجذاذ أي زمن صرام الثمر. اللسان (جذذ) ٣ : ٤٧٩.
(٩) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٥ : ٢٩٨ ، ٢٩٩.
(١٠) الأصل غير واضح
(١١) زيادة يقتضيها السياق