وعندي أن ما ذهب إليه سيبويه هو الصحيح ، لأن (أفعى وسكرى وحبلى) وما شاكلها من الأسماء المختومة بألف التأنيث ، لا تقلب هذه الألف فيها ياءا عند إضافتها إلى الضمير ، فلا يقال في (أفعاك) : أفعيك وأفعيه ، كما قالوا : لبيك ولبيه ، فبطل أن تكون (فلبى يدي مسور) على حد الوقف في (أفعي) بل هو على حد (غلامي زيد) ، فثبت أن (لبيك) تثنية كما زعم الخليل وصاحب الكتاب (١) ، لا كما قال به جامع العلوم.
٣ ـ مع الأخفش ، أبي الحسن سعيد بن مسعدة (ت ٢١٠ ه)
ذكر جامع العلوم آراء الأخفش في اثني عشر موضعا من شرحه. وكان في أغلب أمره ناقلا لتلك الآراء ، غير ناقض لها ، أو معترض عليها. فمثال ما نقل عنه قول الأخفش : ((إنما امتنع الجر من الأفعال ؛ لأن الأفعال أدلة على فاعليها. فهي مع فاعليها جملة ، فلا يمكن قيامها مقام التنوين)) (٢).
ونقل عنه بشأن إعراب الأسماء الستة ، قوله : ((إن هذه الحروف دلائل الإعراب)).
قال جامع العلوم : وهذا يؤول إلى قول سيبويه ، وذلك لأن القول عند سيبويه : إن هذه الحروف حروف إعراب (٣) ، والحركة فيها مقدرة ، ليبقى دليل الإعراب ، كقول الأخفش ، لا فرق بينهما (٤).
ورد جامع العلوم بعض آراء الأخفش ، ونقضها ، منها عدم تجويز الأخفش قولهم : في داره زيد ؛ وإنما لا يجوز عنده ؛ لأنه يصير كناية عن غير مذكور ، لأن (زيد) عنده يرتفع بالظرف قبله ، فيجب أن يكون على حد قولك (خلفك زيد).
قال جامع العلوم ، إذا رفع (زيد) بالظرف على زعم الأخفش فهو بمنزلة الفعل والفاعل ، كقولك : ذهب زيد ، وأنت إذا قلت : ذهب زيد ؛ فقد وقع (ذهب) موقعه فلا ينوى به التأخير ، فكذا (في داره زيد). وقد قالت العرب : ((في أكفانه درج الميت)). والتقدير : درج الميت في أكفانه. فكيف يرد أبو الحسن هذا (٥)؟!.
وجوز الأخفش العطف على عاملين مختلفين ، نحو : مررت بزيد في الدار والقصر عمرو ، جوز عطف (القصر) على (الدار) المجرور ب (في) وعطف (عمرو) على (زيد) المجرور بالباء؟
واستشهد لجواز ذلك بقول الفرزدق :
وباشر راعيها الصّلا بلبانه |
|
وكفّيه ، حرّ النّار ما يتحرف |
فجر (كفيه) عطفا على المجرور بالباء ، ونصب (حر النار) عطفا على المنصوب ب (باشر) فهما عاملان مختلفان.
__________________
(١) الكتاب ١ : ٣٤٨ ـ ٣٥٣ ، واللسان (لبب).
(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ١٢.
(٣) الكتاب ١ : ١٧ ، ١٨.
(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٤٨ ، والإيضاح في علل النحو ١٣٠.
(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٣.