ورد هذا جامع العلوم فقال : ((والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن ، وذلك ؛ لأنه لو جاز العطف على عاملين ، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك ؛ لجاز على مئتين ، وأكثر من ذلك. وهذا بين الفساد ؛ لأن حرف العطف قائم مقام العامل ، فيقوم مقام عامل واحد ، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين (١). أما ما احتج فيه من بيت الفرزدق ؛ فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيه (وهو الباء أو باشر) لجري ذكره ، والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ والكلام)).
وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه جامع العلوم ، وأضيف إلى ما رد به أبا الحسن الأخفش فأقول : إن (الباء) و (في) في جملة أبي الحسن الأخفش (مررت بزيد في الدار) يختلفان في ما يؤديانه ويفضيان إليه من معنى ، ف (الباء) (بزيد) تفيد الإلصاق ، و (في) تفيد الظرفية ، وهما معنيان كل منهما قائم بذاته ؛ فالعطف عليهما ، وهما مختلفان ، يوقع في النفس اللبس والإبهام والغموض.
ونحن نعلم أن الألفاظ لا تتحصل معانيها إلا من خلال ضرب من التأليف والترتيب. فسوء النظم لها ، يقطع الرحم والصلة بينها ، ويخرجها من جمال البيان إلى لون من الهذيان ؛ ذلك لأن الألفاظ تنسجها المعاني القائمة في النفس ، محكومة بقبول العقل ؛ فلا أظن الأخفش يستطيع أن يوجد بين (مررت بزيد في الدار) وبين (والقصر عمرو) هذه الصلة المعقولة.
٥ ـ مع المازني ، أبي عثمان بكر بن محمد (ت ٢٣٠ ه)
ذكر جامع العلوم أبا عثمان المازني في شرحه ثماني مرات ، نقل فيها آراءه ، وإشكالاته على أبي الحسن الأخفش. فمما نقل عنه من الآراء ، ما ذهب إليه في أن قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ)(٢) ، وقول امرئ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
معناه : ألق ألق ، وقف قف ، فاستغنى بتثنية الفاعل ، عن تكرار الفعل لأن الفاعل جزء من أجزاء الفعل ، فإذا ثني الفاعل ؛ فكأنه كرر الفعل (٣).
وكذلك رأيه في ألف الاسم المقصور ، الموقوف عليها ، نحو : هذه عصا ومررت بعصا ، ورأيت عصا ، أنها في الأحوال الثلاث بدل من التنوين.
وقال جامع العلوم بما قال به سيبويه ، من أن هذه الألف في حالتي الرفع والجر ، هي التي حذفت من أجل التنوين ، وفي حالة النصب ، بدل من التنوين ؛ لأن قياس المعتل على الصحيح.
فكما حذفنا التنوين في الصحيح ، فقلنا في حالتي الرفع والجر : هذا زيد ، ومررت بزيد ، وقلنا في حالة النصب : رأيت زيدا فليكن المعتل بهذه المثابة (٤).
وأجاز المازني : نفسا طاب زيد ، بتقديم المنصوب ، محتجا بقول الشاعر :
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها |
|
وما كان نفسا بالفراق تطيب |
__________________
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١١٨.
(٢) ٥٠ : سورة ق ٢٤.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٧ ، ٨٨.
(٤) نفسه ٣٦.