الرفع ، والنصب ، ومنع الجر ، لأنه فرع على الاسم ، فهو : أحط درجة من درجة الاسم ، فمنع الجر ، من أجل ذلك ، ولكن مضارعته للاسم قوية ، فلا بد من توفير قضية الشبه عليه ، فعوض الجزم من الجر ، ليكون إعرابه من ثلاث جهات ، كما في الأسماء. فهذه هي العلة المعتمدة في تخصيص الجر بالأسماء ، والجزم بالأفعال (١). وقال قوم : إنما لم يدخل الجر الفعل ، لأن الفعل ، لا تمكن الإضافة إليه ، لأنه لا يمتلك شيئا ، ولا يستحقه. والجر لا يكون إلا بالإضافة (٢). وهذه علة فاسدة ، لأن [٥ / ب] الجر ، إنما يكون بالإضافة في الأسماء. فلو كان المانع للفعل من الجر ، الإضافة أمكن أن يكون للجر عامل غير الإضافة ، فيعمل في الفعل. ألا ترى أن الرفع ، والنصب ، يدخلان الفعل ، بعوامل غير عوامل الأسماء ، لأن الرفع ، والنصب في الأسماء ، إنما يكون بالفاعلية ، والمفعولية. وفي الفعل بوقوعه موقع الاسم ، وب (إن وأخواته). فلما جاز دخول الرفع ، والنصب في الأفعال بغير عوامل الأسماء ، فلم لا يكون الجر داخلا عليه بغير الإضافة؟. وإذا كان كذلك لم يصح ادعاء هذا المدعي (٣). وقال الأخفش (٤) : إنما امتنع الجر من الأفعال ، لأن الأفعال أدلة على فاعليها (٥) ، فهي مع فاعليها جملة ، فلا يمكن قيامها مقام التنوين. وهذا مثل الأول فإن زعم زاعم فإنما نضيف أسماء الزمان إلى الأفعال ، نحو ما جاء من قوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)(٦) وما أشبهه ، فلم لم يقل : إن الإضافة إلى الفعل صحيحة ، وأنه يجب أن يدخل عليه الجر على زعم هذا الزاعم.
[قلنا] ، لهذا الزاعم أن يقول : إن الإضافة وقعت إلى ما دل عليه الفعل من المصدر ، لأن قوله : ينفع ، يدل على النفع. فكأنه قال : يوم نفع الصادقين. وإذا كان كذلك امتنع نفس الفعل من الجر (٧).
[قال أبو الفتح] : والبناء أربعة أضرب : ضم ، وفتح ، وكسر ، ووقف. فالضم في الاسم ، نحو : قبل ، وبعد ، وحيث.
[قلت] : الأصل في البناء : الأفعال ، والحروف ، والأصل في الإعراب : الأسماء. فإذا جاء الاسم معربا ، فعلى أصله جاء ، وإذا جاء الاسم مبنيا ، فاطلب العلة في ذلك. وإذا جاءت الأفعال مبنية ، فعلى أصلها جاءت ، وإذا جاء الفعل معربا ، فاطلب العلة. وإذا ثبت هذا ، فالمبني ينبغي أن يكون بناؤه على السكون ، فإن جاء متحركا ، فاطلب العلة. والحركة فيه الكسر فإن جاء مضموما ، أو
__________________
(١) الكتاب ١ : ١٤ ، ونصه : (وليس في الأفعال المضارعة جر ، كما أنه ليس في الأسماء جزم ، لأن المجرور داخل في المضاف إليه ، معاقب للتنوين ، وليس ذلك في هذه الأفعال).
(٢) الإيضاح في علل النحو ١٠٨.
(٣) هو : أبو القاسم الزجاجي. في الإيضاح ١٠٨.
(٤) هو : الأخفش الأوسط ، سعيد بن مسعدة المجاشعي (ت ٢١٥ ه). أخذ النحو عن سيبويه ، وكان أحذق أصحابه. ينظر : مراتب النحويين ٦٨ ، وأخبار النحويين البصريين ٣٩.
(٥) الإيضاح في علل النحو ١٠٩.
(٦) ٤ : سورة المائدة ١١٩.
(٧) مجمع البيان ٣ : ٢٧٠ ، وفيه : قال أبو علي : (والإضافة إلى الفعل نفسه في الحقيقة ، لا إلى مصدره. ولو كانت الإضافة إلى المصدر ، لم يبن المضاف لبناء المضاف إليه).