[قال أبو الفتح] : فإن أضفت ما لا ينصرف ، أو دخلته الألف ، واللام ، فأمن فيه التنوين ، دخله الجر في موضع الجر.
[قلت] : المقصود بالمنع في باب ما لا ينصرف ، إنما هو التنوين دون الجر. والجر حيث منع ، إنما منع على جهة التبع له ، وذلك لأن التنوين هو الفارق بين الاسمين ، وهو [١١ / ب] من خصائص الأسماء. فإذا اجتمع الفرعان ، منعا ما كان من خصائصه ، فلما عاد إلى موضع لا يمكن فيه الجمع بين التنوين والإضافة ، أو الألف واللام عاد الجر ، لأمنهم التنوين في ذينك الموضعين.
وإنما تبع الجر التنوين في المنع ، لأنه من خصائص الاسم ، كما أن التنوين كذلك. فإذن قول من قال : إن الجر في قولك : مررت بالأحمر ، والأشقر ، وباحمدكم ، وعثماننا ، إنما كان ، لأنه دخل هذا الاسم ، ما لم يدخل الفعل ، فعاد إليه الجر ، قول فاسد ، وذلك ، لأنه لو كان كذلك ، كان ينبغي أن يدخله الجر ، إذا دخله حرف الجر ، نحو : مررت بأحمد ، لأن حرف الجر ، لا يدخل الفعل ، فكذلك هاهنا.
[قال أبو الفتح] : فإن وقفت على المرفوع ، والمجرور ، حذفت التنوين ، لأنه زائد ، لا يوقف عليه .. إلى آخر الفصل (١).
[قلت] : الوقف على المرفوع ، والمجرور المنصرفين ، قياسهما ، إذا قيسا بالمنصوب ، أن تقلب التنوين واوا في الرفع ، وياءا في الجر ، كما قلبت التنوين في النصب ألفا. فكان ينبغي أن يقال : هذا زيدو ، ومررت بزيدي ، كما قلت في موضع النصب : رأيت زيدا.
وهذه لغة حكاها سيبويه (٢) عن أزد السراة (٣). لكنهم تركوا هذا القياس في الرفع ، والجر ، لثقل الواو ، والياء. وإذا كانوا قالوا : يا اسما ، على لغة من قال : يا حار ، وأدل ، في جمع : دلو ، فأحرى أن لا يقال : هذا زيدو. وإذا كانوا قد قالوا : لا أدر ، ولم أبل ، وأن يدر ، فحذفوا ما هو من نفس الكلمة ، استخفافا ، فلأن لا يقولوا : مررت بزيدي ، أولى ، وأجدر. ولما قلبوا التنوين الفا في قولك : رأيت زيدا في الوقف لخفة الألف ، وهي في الأسماء. [قال الشاعر] :
٢٠ ـ ... |
|
ولا تعبد الشّيطان ، والله فأعبدا (٤) |
وهو نون فقلبوها ألفا ، ففي الأسماء أجدر ، ولأنه أحمل للتصرف. وقد قالوا : رأيت
__________________
(١) تمامه : وأسكنت آخرهما ، لأن العرب انما تبتدئ بالمتحرك ، وتقف على الساكن. اللمع في العربية ٦١.
(٢) الكتاب ٤ : ١٦٧ ، وفيه : (وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون : هذا زيدو ، وهذا عمرو ، ومررت بزيدي ، وبعمري ، جعلوه قياسا واحدا ، فأثبتوا الألف). وينظر : شرح شافية ابن الحاجب ٢ : ٢٧٤.
(٣) السراة ، بفتح السين : جبل بناحية الطائف ، مشرف على عرفة ، ينقاد إلى صنعاء أوله سراة ثقيف ، ثم سراة فهم ، وعدوان ، ثم سراة الأزد ، ثم الحرة آخر ذلك. معجم البلدان ٣ : ٢٠٤ ، ٢٠٥ ، واللسان (سرا) ١٤ : ٣٨٣ ، وينظر : هامش سيرة ابن هشام ١ : ١٤.
(٤) البيت من الطويل ، للأعشى ، وصدره :
وذا النصب المنصوب ، لا تنسكنّه |
|
... |
وهو في : ديوانه ١٣٥ ، والكتاب ٣ : ٥١٠.
وبلا نسبة في : المقتضب ٣ : ١٢ ، والإنصاف ٢ : ٦٥٧ ، والمغني ٢ : ٣٧٢ ، وأوضح المسالك ٥٦١.