قال الشيخ أبو بكر : استوطن الطّبريّ بغداد وأقام بها إلى حين وفاته ، وكان أحد أئمة العلماء : يحكم بقوله ، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، وكان حافظا لكتاب الله ، عارفا بالقراءات ، بصيرا بالمعاني ، فقيها في أحكام القرآن ، عالما بالسنن وطرقها ، وصحيحها وسقيمها ، وناسخها ومنسوخها ، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين في الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، عارفا بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في «تاريخ الأمم والملوك» ، وكتاب في التفسير لم يصنّف أحد مثله ، وكتاب سماه «تهذيب الآثار» لم أر سواه في معناه إلا أنه لم يتمه ، وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة ، واختيار من أقاويل الفقهاء ، وتفرّد. بمسائل حفظت عنه.
وسمعت عليّ بن عبيد الله بن عبد الغفار اللغوي المعروف بالسمسماني يحكي أن محمّد بن جرير مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة.
وبلغني عن أبي حامد أحمد بن أبي طاهر الفقيه الأسفرائيني أنه قال : لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل له كتاب تفسير محمّد بن جرير لم يكن ذلك كثيرا. أو كلاما هذا معناه.
أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمّد قال ثنا عليّ بن أحمد بن الصناع [... (١)] عبيد الله بن أحمد السّمسار وأبي [...] أن أبا جعفر الطّبريّ قال لأصحابه : [أتنشطون لتفسير القرآن. قالوا : كم يكون] قدره؟ فقال ثلاثون [ألف ورقة ، فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار] قبل تمامه ، فاختصره في [نحو ثلاثة آلاف ورقة. ثم قال :] هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا : كم يكون قدره؟ فذكر نحوا مما [ذكره في التفسير فأجابوه بمثل ذلك]. فقال : إنا لله ، ماتت الهمم.
حدّثني محمّد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا محمد بن عبد الله النّيسابوري الحافظ قال : سمعت أبا بكر بن بالويه يقول قال لي أبو بكر محمّد بن إسحاق ـ يعني ابن خزيمة ـ بلغني أنك [كتبت (٢)] التفسير عن محمّد بن جرير؟ قلت : بلى كتبت التفسير عنه إملاء. قال : كله؟ قلت : نعم. قال : في أي سنة؟ قلت : من سنة ثلاث وثمانين إلى سنة تسعين. قال فاستعاره مني أبو بكر فردّه بعد سنين ، ثم قال : قد نظرت فيه من أوله إلى آخره ولم أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير ، ولقد ظلمته الحنابلة.
__________________
(١) النص بالمخطوط مطموس وأكملناه من الأنساب للسمعاني ٨ / ٢٠٦.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.