وأخبرني أن مولده في آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين ، وكان أسمر إلى الأدمة ، أعين ، نحيف الجسم ، مديد القامة ، فصيح اللسان ، ولم يؤذن به أحد ، واجتمع عليه من لا يحصيهم عددا إلا الله ، وصلّي على قبره عدة شهور ليلا ونهارا ، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب ، فقال ابن الأعرابي في مرثية له طويلة :
حدث مفظع وخطب جليل |
|
دق عن مثله اصطبار الصبور |
قام ناعي العلوم أجمع لما |
|
قام ناعي محمد بن جرير |
فهوت أنجم لها زاهرات |
|
مؤذنات رسومها بالدثور |
وتغشى ضياءها النير الإش |
|
راق ثوب الدّجنة الديجور |
وغدا روضها الأنيق هشيما |
|
ثم عادت سهولها كالوعور |
يا أبا جعفر مضيت حميدا |
|
غير وان في الجد والتشمير |
بين أجر على اجتهادك موفو |
|
ر وسعى إلى التقى مشكور |
مستحقا به الخلود لدى جن |
|
ة عدن في غبطة وسرور |
قرأت على أبي الحسين هبة الله بن الحسن الأديب لأبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد يرثي أبا جعفر الطّبريّ :
لن تستطيع لأمر الله تعقيبا |
|
فاستنجد الصبر أو فاستشعر الحوبا |
وأفزع إلى كنف التسليم وارض بما |
|
قضى المهيمن مكروها ومحبوبا |
إن العزاء إذا عزته جائحة |
|
ذلت عريكته فانقاد مجنوبا |
فإن قرنت إليه العزم أيده |
|
حتى يعود لديه الحزن مغلوبا |
فارم الأسى بالأسى يطفى مواقعها |
|
جمرا خلال ضلوع الصدر مشبوبا |
الأسى : الحزن ، والأسى جمع أسوة ، كقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
من صاحب الدهر لم يعدم مجلجلة |
|
يظل منها طوال العيش منكوبا |
إنّ البلية لا وفر تزعزعه |
|
أيدي الحوادث تشتيتا وتشذيبا |
ولا تفرق ألّاف يفوت بهم |
|
بين يغادر حبل الوصل مقضوبا |
لكن فقدان من أضحى بمصرعه |
|
نور الهدى وبهاء العلم مسلوبا |
أودى أبو جعفر والعلم فاصطحبا |
|
أعظم بذا صاحبا إذ ذاك مصحوبا |
إنّ المنية لم تتلف به رجلا |
|
بل أتلفت علما للدين منصوبا |