عبد الله بن أحمد بن المغلس الدّاودي قال : كان أبو بكر محمّد بن داود وأبو العبّاس ابن سريج إذا حضرا مجلس القاضي أبي عمر ـ يعني محمّد بن يوسف ـ لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن ما يجري بينهما ، وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر في الحضور إلى المجلس ، فتقدمه في الحضور أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة في الظهار ما هو؟ فقال : إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود ، فطالبه بالدليل فشرع فيه ودخل ابن سريج فاستشرحهم ما جري فشرحوه ، فقال ابن سريج لابن داود : أولا يا أبا بكر أعزك الله هذا قول من من المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط أبو بكر من ذلك. وقال : أتقدر أن من اعتقدت قولهم إجماع في هذه المسألة إجماع عندي ، أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك! فغضب ابن سريج وقال له : أنت يا أبا بكر بكتاب «الزهرة» أمهر منك في هذه الطريقة ، فقال أبو بكر : وبكتاب «الزهرة» تعيرني ، والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم ، وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه :
أكرر في روض المحاسن مقلتي |
|
وأمنع نفسي أن تنال محرما |
وينطق سري عن مترجم خاطري |
|
فلو لا اختلاسي رده لتكلما |
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم |
|
فما أن أرى حبا صحيحا مسلما |
فقال له ابن سريج : أو علي تفخر بهذا القول وأنا الذي أقول :
ومساهر بالغنج من لحظاته |
|
قد بت أمنعه لذيذ سباته |
ضنا بحسن حديثه وعتابه |
|
وأكرر اللحظات في وجناته |
حتى إذا ما الصبح لاح عموده |
|
ولى بخاتم ربه وبراته |
فقال ابن داود لأبي عمر : أيد الله القاضي ، قد أقر علي نفسه بالمبيت علي الحال التي ذكرها وادعي البراءة مما توجبه ، فعليه إقامة البينة. فقال ابن سريج : من مذهبي أن المقر إذا أقر إقرارا وناطه بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته. فقال ابن داود : للشافعي في هذه المسألة قولان. فقال ابن سريج : فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة.
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أيّوب بن الحسين بن أيّوب القمي ـ إملاء من حفظه ـ حدّثنا أبو عبيد الله المرزباني ، وأبو عمر بن حيويه ، وأبو بكر بن شاذان قالوا : حدّثنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة النّحويّ ـ نفطويه ـ قال : دخلت علي محمّد