ومن أبصر أحواله بعيانها ، عرف أنّها أكبر من سماعها. وما هو إلّا من التأييدات الربانية ، والألطاف الإلهية.
بين النجف والحلّة
مكث زمانا طويلا بالغري ، ومجاورة جدّه علي ، مكبّا على التحصيل والتدريس والتصنيف ، ثم اتفقت له الهجرة إلى فيحاء بابل ، ومجتمع فضل الأواخر والأوائل ، فمكث فيها برهة من الزمان ، صادعا بما أمر به من هداية الناس إلى الإيمان ، فاستنقذ جمّا غفيرا من قبائل العرب من الضلالة والغواية ، وأرشدهم إلى الهداية والولاية ، وكشف عنهم غياهب العماية ، ورفع لهم منار الصدق ، فأصبحوا وكلّهم يشهدون «علي مع الحق».
وكتب فيها وألّف ودرس وصنّف إلى أن نادته الأسرار من مطالع الأنوار ، فشمّر (أذيال الزعامة ، ملبيا دعاء الامامة) (١) لا يعرج على مجاذب ، ولا يثنيه عذل قريب أو مجانب ، حتى إستاف كافورة أعتاب المرقد المعلّى ، ومطاف زمر الملأ الأعلى ، فتقيّل حماه وطنا ، ولم يكن فارقه ، ولا شام لسوى بوارقه بارقة ، فأنشد متمثّلا ، بعد أن راقه مقاما ومنزلا ، شعرا :
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل |
|
وعدت إلى مصحوب أوّل منزل |
فنادت بي الأشواق مهلا فهذه |
|
منازل من تهوى رويدك فانزل |
فألقى عصى الإقامة ، واستمد الفيض من مطلع شمس الامامة ، فأنفق باقي أيامه الغرّ ، مقبلا على ما ليس فيه تضييع للعمر. لا يرى سوى التأليف
__________________
(١) هذه العبارة من إضافات السيد باقر على النصّ. وفي الأصل «فشمّر تشمير الأبي ، وأقدم إقدام الكمي»