أنيس ، ولا يبتغي بغير الكتاب جليس ، ولا يرغب بلذة سوى التدريس. قد ألقى زمام نفسه ليد التقوى ، فلا يعوقه عن طاعة ضعف قوى.
سفره إلى بيت الله الحرام
حتى إذا قارب انقضاء مدّة الأجل المبهم ، وما خطّه القلم (١) في لوح القضاء المحتم ، ولم يبق منهج للطاعة إلّا اتخذه سبيلا ، ولا غاية للانقياد إلّا وكان إليها وصولا ، تاقت نفسه إلى حجّ بيت الله الحرام ، واشتاقت إلى زيارة قبر النبي والأئمة عليهمالسلام ، فأيقظ طرف عزمه فذلل له كلّ صعب ، واستشعر لباس النسك فأورده المنهل العذب. فامتطى غوارب النجائب ، ونكب عن ذكر العواقب جانب. فسرت تقدّ بأخفافها نصب السير وجيفا وإرقالا (٢) ، ملبّيا قوله عزّ من قائل : «وأذن للناس في الحج يأتوك رجالا» (٣) ، فمرّت به مرور النسائم ، تترامى بها النجود والتهائم ، جاعلا لهب الهجير لحرّ وجهه مقيلا ، صارفا إلى الآخرة وإنّها لأعظم درجات وأكبر تفصيلا ، حتى تسنّم ذروة الأباطح عند أول بيت وضع للناس ، وتنسم نسائم القبول من مهابط الوحي بين منازل آبائه الذين أذهب الله عنهم الأرجاس. فأدّى بين هاتيك المشاعر فرضه ونفله ، وأقام صدور العيس (٤) يتجاذبن رداء البيد نزولا ورحلة ، معرّجا على مثوى الرسالة ، ومرقد الصفوة من خير سلالة ، فطابت نفسه بطيبة ، واستنشق من أرج النبوة نشره وطيبه.
وفاته ومدفنه
حتى إذا قضى منها وطر العميد ، وكرّت به قوافلا بنات العيد ، ظهرت مخائل السقام ، واعتاقه دون الوصول إلى الغري شرك الحمام ، فدعي
__________________
(١) في نسخة (ب) : الله.
(٢) الوجيف والارقال : نوعان من سير الأبل ، على غرار المشي السريع.
(٣) سورة الحج ، الآية : ٢٧.
(٤) العيس : الابل.