واقتطف ثمار العلوم النقلية من أغصانها النواضر ، وجرى في حلبات تحقيقها فحاز قصب رهانها ، وسبق الأوائل وإن تقدّمته بأزمانها ، وامتطى غارب الفضائل فكان فحل لقاحها ، وعرج ثاقب فكرته إلى سماء الغيب فكان ضوء مصباحها ؛ معزّ الدين ، أبو جعفر ، محمد بن الحسن المدعو بالسيد مهدي الحسيني الشهير بالقزويني ، مشيّد قواعد الأحكام ، وكاشف غطاء الشبهات عن شرائع الاسلام ، الهادي بمصابيح هدايته من ضلّ ، والمرغم بقاطع برهانه آناف المبتدعين من أهل الملل والنحل :
لجّة علم عذبت موردا |
|
كلّ ذوي الفضل غدت ورّادها |
وروضة لو كشف الله الغطا |
|
رأيت أملاك السما روّادها(١) |
الولادة والنشأة
ولد في المشهد الغروي ، واستمدّ الفيض من المرقد العلوي سنة إثنتين وعشرين بعد المائتين والألف من هجرة جدّه ، وناسج شرفه ومجده ـ فاغتذى لبن الفضل وليدا ، وترعرع في حجر الكمال حتى ارتداه مطارفا وبرودا.
إبتدأ بتصنيف العلوم وهو ابن عشر سنوات ، واستقلّ بالرأي والعمل باجتهاده والفراغ من معقوله ومنقوله ، وهو إبن ثمانية عشر ، وكان تحصيله من موهبياته وتأييداته أكثر من كسبياته وتوفيقاته «والله يؤتي الحكمة من يشاء».
كما شاهده بعض السادة الطباطبائيين النجباء من أخواله العلماء في عالم الرؤيا. والحال أنّه لم يعلم بخروجه إلى الدنيا فضلا عن رؤيته بشخصه ، ومعرفته باسمه. حيث كان الرائي في بلاد العجم ، والمرئي في بلاد (٢) النجف
__________________
(١) البيتان من قصيدة للشاعر السيد حيدر الحلي يهني بها السيد مهدي في بعض المناسبات ، وهي تقع في (٣٨) بيتا مثبتة في (ديوان السيد حيدر ، ج ١ ، ص ١٥٠).
(٢) هكذا ورد في الأصل.