الغلو : تجاوز الحد. ومنه غلا السعر وغلوة السهم. الاستنكاف : الأنفة والترفع ، من نكفت الدمع إذا نحيته بأصبعك من خدك ، ومنعته من الجري قال :
فباتوا فلولا ما تدكر منهم |
|
من الحلق لم ينكف بعينك مدمع |
وسئل أبو العباس عن الاستنكاف فقال : هو من النكف ، يقال : ما عليه في هذا الأمر نكف ولا وكف ، والنكف أن يقال له سوء ، واستنكف دفع ذلك السوء.
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) المعنى : فبظلم عظيم ، أو فيظلم أي ظلم. وحذف الصفة لفهم المعنى جائز كما قال : لقد وقعت على لحم أي لحم متبع ، ويتعلق بحرمنا. وتقدم السبب على المسبب تنبيها على فحش الظلم وتقبيحا له وتحذيرا منه. والطيبات هي ما ذكر في قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) (١) الألبان وبعض الطير والحوت ، وأحلت لهم صفة الطيبات بما كانت عليه. وأوضح ذلك قراءة ابن عباس : طيبات كانت أحلت لهم.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) أي ناسا كثيرا ، فيكون كثيرا مفعولا بالمصدر ، وإليه ذهب الطبري. قال : صدوا بجحدهم أمر محمد صلىاللهعليهوسلم جمعا عظيما من الناس ، أو صدا كثيرا. وقدره بعضهم زمانا كثيرا.
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) وهذه جملة حالية تفيد تأكيد قبح فعلهم وسوء صنيعهم ، إذ ما نهى الله عنه يجب أن يبعد عنه. قالوا : والربا محرم في جميع الشرائع.
(وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي الرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم في تحريف الكتاب. وفي هذه الآية فصلت أنواع الظلم الموجب لتحريم الطيبات. قيل : كانوا كلما أحدثوا ذنبا حرم عليهم بعض الطيبات ، وأهمل هنا تفصيل الطيبات ، بل ذكرت نكرة مبهمة. وفي المائدة فصل أنواع ما حرم ولم يفصل السبب. فقيل : ذلك جزيناهم ببغيهم ، وأعيدت الباء في : (وَبِصَدِّهِمْ) (٢) لبعده عن المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولا للمعطوف عليه ، بل في العامل فيه. ولم يعد في : (وَأَخْذِهِمُ) (٣) وأكلهم لأن الفصل وقع بمعمول المعطوف عليه. ونظير إعادة الحرف وترك إعادته قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (٤)
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١٦٠.
(٤) سورة النساء : ٤ / ١٥٥.