أحدها : أنه معطوف على الراسخون. الثاني : على الضمير المستكن في المؤمنون. الثالث : على الضمير في يؤمنون. الرابع : أنه مبتدأ وما بعده الخبر وهو اسم الإشارة وما يليه. وأما المؤمنون بالله فعطف على والمؤتون الزكاة على الوجه الذي اخترناه في رفع والمؤتون.
ولما ذكر أولا والمؤمنون تضمن الإيمان بما يجب أن يؤمن به ، ثم أخبر عنهم وعن الراسخين أنهم يؤمنون بالقرآن وبالكتب المنزلة ، ثم وصفهم بصفات المدح من امتثال أشرف أوصاف الإيمان الفعلية البدنية وهي : الصلاة ، والمالية وهي الزكاة ، ثم ارتقى في المدح إلى أشرف الأوصاف القلبية الاعتقادية وهي الإيمان بالموجد الذي أنزل الكتب وشرع فيها الصلاة والزكاة ، وباليوم الآخر وهو البعث والمعاد الذي يظهر فيه ثمرة الإيمان وامتثال تكاليف الشرع من الصلاة والزكاة وغيرهما. ثم إنه لما استوفى ذلك أخبر تعالى أنه سيؤتيهم أجرا عظيما وهو ما رتب تعالى على هذه الأوصاف الجليلة التي وصفهم بها ، وأشار إليهم بأولئك ، ليدل على مجموع تلك الأوصاف. ومن أعرب والمؤمنون بالله مبتدأ وخبره ما بعده ، فهو بمعزل عن إدراك الفصاحة. والأجود إعراب أولئك مبتدأ ، ومن نصبه بإضمار فعل تفسيره ما بعده : أنه سيؤتى أولئك سنؤتيهم ، فيجعله من باب الاشتغال ، فليس قوله براجح ، لأن زيد ضربته أفصح وأكثر من زيدا ضربته ، ولأن معمول ما بعد حرف الاستقبال مختلف في جواز تقديمه في نحو : سأضرب زيدا ، وإذا كان كذلك فلا يجوز الاشتغال. فالأجود الحمل على ما لا خلاف فيه. وقرأ حمزة : سيؤتيهم بالياء عودا على قوله : والمؤمنون بالله. وقرأ باقي السبعة. على الالتفات ومناسبة وأعتدنا.
(إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) قال ابن عباس : سبب نزولها أن سكين الحبر وعدي بن زيد قالا : يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر شيئا بعد موسى ولا أوحى إليه. وقال محمد بن كعب القرظي : لما نزلت : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) الآيات فتليت عليهم وسمعوا الخبر بأعمالهم الخبيثة قالوا : ما أنزل الله على بشر من شيء ولا على عيسى ، وجحدوا جميع ذلك فنزلت : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٢) إذ قالوا الآية. وقال الزمخشري : إنا أوحينا إليك جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، واحتجاجهم عليهم بأن شأنه في الوحي إليه
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٥٣.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩١.