موقع الجملة المفسرة ، لأنه بيان للشهادة بصحته أنه أنزله بالنظم المعجز الفائت للقدر ، ويحتمل أنه أنزله وهو عالم به رقيب عليه حافظ له من الشياطين برصد من الملائكة.
(وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) أي بما أنزل الله إليك. وشهادة الملائكة تبع لشهادة الله ، وقد علم بشهادة الله له ، إذ أظهر على يديه المعجزات ، وهذا على سبيل التسلية له عن تكذيب اليهود. إن كذبك اليهود وكذبوا ما جئت به من الوحي ، فلا تبال ، فإن الله يشهد لك وملائكته ، فلا تلتفت إلى تكذيبهم.
(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) أي وإن لم يشهد غيره (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ). (١)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً) أي ضلالا لا يقرب رجوعهم عنه ، ولا تخلصهم منه ، لأنه يعتقد في نفسه أنه محق ثم يتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال والجاه وإلقاء غيره فيه ، فهو ضلال في أقصى غاياته. وقرأ عكرمة وابن هرمز : وصدوا بضم الصاد ، قيل : وهي في اليهود.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) قيل : هذه في المشركين. وقد تقدّم الكلام على لام الجحود وما بعدها ، وأن الإتيان بها أبلغ من الإتيان بالفعل المجرد عنها. وهذا الحكم مقيد بالموافاة على الكفر. وقال أبو سليمان الدمشقي : المعنى لم يكن الله ليستر عليهم قبيح أفعالهم ، بل يفضحهم في الدنيا ويعاقبهم بالقتل والجلاء والسبي ، وفي الآخرة بالنار. وقال الزمخشري : كفروا وظلموا ، جمعوا بين الكفر والمعاصي ، وكان بعضهم كافرين وبعضهم ظالمين أصحاب الكبائر ، لأنه لا فرق بين الفريقين في أنه لا يغفر لهما إلا بالتوبة ، ولا ليهديهم طريقا لا يلطف بهم فيسلكون الطريق الموصل إلى جهنم ، ولا ليهديهم يوم القيامة إلا طريقها انتهى. وهو على طريقة الاعتزال في أنّ صاحب الكبائر لا يغفر له ما لم يتب منها ، وإن أريد بقوله طريقا مخصوصا أي عملا صالحا يدخلون به الجنة ، كان قوله : إلا طريق جهنم استثناء منقطعا.
(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي انتفاء غفرانه وهدايته إياهم وطردهم في النار سهلا لا صارف له عنه ، وهذا تحقير لأمرهم ، وأنه تعالى لا يعبأ بهم ولا يبالي.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٩.